بمناسبة ختام حملة الـ 16 يومًا من النشاط لمناهضة العنف ضد المرأة، ننشر بحث بعنوان ” وضع حق النساء في التجمع السلمي في كلّ من لبنان، مصر، وتونس”
هذا البحث مهدى إلى أرواح نادين جوني، وسارة حجازي، ولينا بن مهني، تقديرًا لنضالهن في سبيل حقوق النساء في المنطقة.
شكرًا لهن على الهتاف والأمل والحب، وعلى توسيع الرؤية والمعنى والساحة والحلم.
تهدف هذه الورقة البحثية إلى دراسة وتحليل وضع الحق في التجمع السلمي للنساء في كل من لبنان، مصر، وتونس. وترصد تاريخ الحراك النسوي في كل من البلدان الثلاثة، وتحلل مدى إسهام النساء بتعزيز الحق في التجمع السلمي، وتدرس السياقات المؤثرة في قدرة النساء على ممارسة هذا الحق. ثم تستعرض الورقة الأطر القانونية الناظمة للحق في التجمع السلمي للنساء في كل من البلدان الثلاثة، إضافةً إلى السياسات والإجراءات ذات الصلة. ثم تختم الورقة بتقديم توصيات إلى أصحاب المصلحة من حكومات ومنظمات مجتمع مدني للدفع باتجاه تعزيز واحترام وإعمال هذا الحق للنساء في كل من لبنان، تونس، ومصر.
يحلل القسم الأول السياقات المؤثرة على حق النساء في التجمع السلمي في لبنان بدءاً من عشرينيات القرن العشرين، حيث شهدت البلاد نشاطًا متناميًا في مجال حقوق المرأة، عندما بدأت الجمعيات النسائية في التشكّل والتنظيم. وبالتزامن مع تأسيس الجمعيات النسائية والاتحادات، زاد النشاط السياسي والاجتماعي للنساء، حيث شاركت النساء في المظاهرات والحراك السياسي. ومن خلال المظاهرات والضغط السياسي، تمكنت النساء اللبنانيات من تحقيق بعض حقوقهن، بما في ذلك حق التصويت والترشح في الانتخابات. وعلى الرغم من التحديات السياسية والاجتماعية، استمرت الحركة النسوية في التطور والتوسع، مما جعل لبنان يشهد موجات نسوية متعددة في السنوات اللاحقة. لكن تأثير الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً بداية من عام ١٩٧٥ ألقى بظلاله على جهود المنظمات النسائية، حيث تحولت لتقديم الدعم للاجئين وضحايا الحرب والعمل الرعوي.
ومع بداية الثمانينيات، شهد العالم تزايداً في الاهتمام بقضايا المرأة، مما أدى إلى صياغة اتفاقيات دولية لحماية حقوقهن. وفي لبنان، وُقّعت اتفاقيات دولية مثل سيداو، وتم تبني قضايا المرأة داخل الساحة السياسية بشكل أكبر. وفي التسعينات، ظهرت منظمات جديدة تركز على زيادة الوعي حول العنف المنزلي والضعف في النظام القانوني تجاه ضحاياه، بالإضافة إلى العمل على تمثيل الفئات التي لم تكن ممثلة بشكل كافٍ في النظام السياسي، مثل العمال المهاجرين/العاملات المهاجرات والأقليات الجنسية. وفي العقد التالي، شهدت الحركة النسوية تغييراً بارزاً في المواقف تجاه قضايا الأقليات الجنسية، وانعكس هذا التطور على توجهات النسويات اللبنانيات، حيث بدأت الحقوق الجنسية والإنجابية تتصدر أجندتهن.
أما في مرحلة ما بعد الربيع العربي، تركزت الحملات النسوية على قضايا الجسد وإعادة كتابة التاريخ النسوي. وشاركت النساء بشكل فعّال في الاحتجاجات والمسيرات، مما أدى إلى فتح باب النقاش حول دور المرأة في التجمعات السلمية والمشاركة في الحياة السياسية. لكن على الرغم من ذلك، تتعرض النساء في لبنان لانتهاكات خلال ممارسة حقهن في التجمع السلمي بشكل شديد، وذلك نتيجة للغياب الشبه الكامل للمحاسبة والمساءلة، وتنوع الأطراف التي ترتكب هذه الانتهاكات، بما في ذلك السلطات الحكومية والمجموعات المسلحة غير الرسمية. تتنوع هذه الانتهاكات ما بين التحرش اللفظي والجسدي، والضرب، والاعتداءات على يد المتظاهرين والقوى الأمنية.
ويراجع القسم الثاني تحولات الحركة النسوية المصرية وإسهامها في تعزيز الحق في التجمع السلمي. فتاريخ الحركة النسوية في مصر يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، وتُعتبر الحركة النسوية في مصر أقدم حركة نسوية مُنظّمة في المنطقة الناطقة بالعربية.
وشهدت ثورة 1919 مشاركة كبيرة من النساء، بقيادة هدى الشعراوي، في التظاهرات ضد الاستعمار البريطاني. وبدأت الحركة النسوية الفعلية مع تأسيس “الاتحاد النسوي المصري” عام 1923، وركزت على قضايا التعليم والمشاركة السياسية، إلى جانب النقد لسياسات الدولة. وتشكلت جمعية هدى شعراوي ومنظمة “الاتحاد النسائي المصري” في منتصف الستينيات، وأصبحت الأخيرة مؤسسة ضمن المؤسسات الحكومية.
لكن ثورة يناير ٢٠١١ أعطت دفعة قوية للحركة النسوية، وأصبحت قضايا حقوق المرأة السياسية والمدنية محورية في الخطاب النسوي. وتزامن ذلك مع استهداف النساء بالانتهاكات الجنسية خلال المظاهرات. لكن ما بعد الثورة شهد تحولات كبيرة، حيث تراجعت مشاركة النساء في الحياة السياسية خاصةً بعد وصول القوات المسلحة لسدة الحكم رسميًا عام ٢٠١٤.
في المقابل، ظهرت سرديات جديدة تشكلت من خلالها مطالب المرأة وتحدياتها، لتنتقل من مقاومة الموروث الاجتماعي إلى المطالبة بسياسات حساسة للنوع تواجه البطريركية. وعلى رغم كل التحديات، استمرت المرأة المصرية في مسيرتها النضالية بعزيمة وإرادة، ورفضت الانحياز أمام القمع والاعتداءات التي تعرضت لها. لكن وضع الحق في التظاهر السلمي بات مرعباً وخطيراً، حيث يتعرض المشاركون/ات، خاصة النساء، للاعتداءات الجسدية والجنسية والاعتقال، مما يعكس التهديدات التي تواجهها المرأة المصرية في المجال العام، بالتزامن مع انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق المدنية والسياسية، واستهداف منظمات المجتمع المدني والناشطات، وقمع الحريات الأساسية، وإغلاق الفضاء المدني.
أما في القسم الثالث، فننتقل إلى تونس، حيث ومنذ الاستقلال، استثمرت الحركة النسوية في تونس موروثًا فكريًّا تقدميًا يدعو إلى حرية المرأة، بدءًا من حقبة خير الدين باشا. ومن خلال منظومة القوانين التي ضمنت حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية، مثل حقها في الاستقلال المالي والعمل والتعليم، أصبحت المرأة عنصرًا فاعلًا في المجتمع ومساهمة في تطوير البلاد. وفي عهد بورقيبة، أبرمت تونس قوانين متقدمة مثل قانون الأحوال الشخصية الذي منح المرأة حقوقا مثل موافقة الزوجين في الزواج ومنع التعددية الزوجية والحماية القانونية في حالة الطلاق. وفي السبعينيات والثمانينيات، نشأت جمعيات نسائية مثل نادي المرأة وجمعية النساء الديموقراطيات التي ناضلت ضد الانتهاكات والمضايقات.
وفي العصر الحديث، استمرت النساء في النضال من أجل حقوقهن المدنية والسياسية، وعانت من القيود والمضايقات الأمنية، لكن جهودهن أسفرت عن تطوير حركة نسائية مستقلة وديناميكية.
وانطلقت الانتفاضة في تونس في ديسمبر 2010 كمحطة تحرر من سنوات طويلة من الديكتاتورية، وشهدت مطالب نسوية قوية توّجت بإصدار دستور جديد تم اعتماده في يناير 2014 بعد مسار سياسي هزّ البلاد. لكن على الرغم من تاريخ تونس الديمقراطي المشرق بعد الثورة، فإن السنوات الأخيرة شهدت تصاعدًا في القمع السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية ومحاكمات الناشطين/ات والمعارضين/ات. وبالتالي، يظل نضال المرأة التونسية وممارستها حقها في التجمع السلمي جزءًا أصيلاً من النضال الديمقراطي وحماية الحقوق والحريات في البلاد.
تُختم الورقة في القسم الرابع بخلاصة وتوصيات للحكومات والمنظمات الدولية والمحلية والمانحة، تركز بشكل أساسي على توفير الآليات الحمائية للمرأة والمساءلة في إطار التجمع السلمي، وذلك من خلال جهود جدية وواضحة تبدأ من السياسات والاستراتيجيات الوطنية، وتحسين التشريعات والسياسات المتعلقة بحرية التجمع وتكوين الجمعيات، وضمان احترام وتعزيز هذه الحقوق للنساء بشكل خاص، وبناء التضامن بين المجموعات النسوية ومنظمات المجتمع المدني وتعزيز التعاون مع حركات العدالة الاجتماعية الأخرى.