تونس | المحاكمة عن بعد خرق لأسس العدالة

تونس، 4 مارس 2025 –

تتابع هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية بقلق بالغ التطورات الخطيرة في محاكمة المتهمين في القضية المعروفة إعلاميًا بـ “قضية التآمر على أمن الدولة”، التي تضم 40 شخصية سياسية وحقوقية بارزة من مختلف التيارات المعارضة. وتشمل قائمة المتهمين رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، والأستاذ الجامعي جوهر بن مبارك، إلى جانب العديد من الشخصيات الحقوقية والسياسية المستقلة.

إن قرار السلطات القضائية بإجراء المحاكمة عن بُعد وحرمان المتهمين من المثول الفعلي أمام المحكمة، يمثل انتهاكًا صارخًا للحق في محاكمة عادلة، ويؤكد استمرار استخدام القضاء كأداة لقمع المعارضين السياسيين وإسكات الأصوات المستقلة في تونس. وتذكّر هيومينا بأن المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، لا سيما الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تقتضي علنية الجلسات، وحق المتهمين في المثول أمام قاضيهم الطبيعي، وتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم في إجراءات شفافة ونزيهة لا تشوبها أي اعتبارات سياسية.

كما تعرب هيومينا عن إدانتها الشديدة لاستمرار الاحتجاز التعسفي لتسعة من المتهمين في هذه القضية لأكثر من 24 شهرًا، وهو ما يتجاوز الحدّ الأقصى للاحتجاز الاحتياطي المحدد بـ 14 شهرًا وفق القانون التونسي. هذا الاحتجاز المطوّل دون أساس قانوني واضح يشكّل انتهاكًا جسيمًا للحقوق الأساسية وخروجًا عن الالتزامات الدولية التي تعهّدت بها تونس في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون.

في ضوء هذه الانتهاكات الخطيرة، تدعو هيومينا السلطات التونسية إلى:

  • الالتزام بضمانات المحاكمة العادلة وفقًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما يشمل السماح للمتهمين بحضور محاكمتهم بشكل مباشر، وإلغاء قرار المحاكمة عن بُعد الذي يقوّض مبدأ الشفافية والحق في الدفاع.
  • الإفراج الفوري عن المعتقلين الذين تجاوزت مدة احتجازهم الحدود القانونية، وضمان عدم استخدام القضاء لاستهداف المعارضين السياسيين. كما تطالب بإعادة المهجّرين في هذه القضية، وعلى رأسهم الناشطة النسوية البارزة بشرى بالحاج حميدة، التي تم استهدافها بسبب مواقفها الحقوقية والسياسية.
  • تمكين وسائل الإعلام والمراقبين الحقوقيين من تغطية الجلسات القضائية لضمان علنية المحاكمة وشفافيتها، وفقًا للمعايير الدولية المعتمدة في المحاكمات العادلة.

“إن ما نشهده اليوم في تونس ليس مجرد محاكمة سياسية أخرى، بل هو استمرار ممنهج في استهداف المعارضين، واستخدام القضاء كأداة لإسكات الأصوات الناقدة. المحاكمة العادلة ليست رفاهية، بل حق أصيل يضمنه القانون الدولي، وما يحدث الآن هو انتهاك فج لهذا الحق. لا يمكن القبول بأن تتحول تونس، التي كانت يومًا نموذجًا للأمل الديمقراطي، إلى ساحة جديدة لقمع الحريات وإسكات الأصوات المستقلة. يجب على السلطات التونسية احترام التزاماتها الدولية وضمان استقلالية القضاء وحقوق المتهمين، بما يكفل محاكمة عادلة وشفافة بعيدًا عن أي اعتبارات سياسية.”
– فريال شرف الدين، مديرة البرامج في هيومينا

تؤكد هيومينا أن استمرار هذه الممارسات القضائية التعسفية يشكّل تهديدًا خطيرًا لحالة حقوق الإنسان والحريات الأساسية في تونس. كما تشدد على أن احترام استقلالية القضاء وعدم تسييسه، وضمان المحاكمات العادلة، والتوقف عن استهداف المعارضين السياسيين، هي معايير جوهرية لالتزام تونس بواجباتها الدولية. إن المسار الذي تتخذه السلطات التونسية في التعامل مع المعارضة السلمية يتعارض مع قيم العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويبعث برسالة مقلقة عن تدهور سيادة القانون واستمرار تراجع المساحة المدنية.

تدعو هيومينا المجتمع الدولي، والمؤسسات الحقوقية، والهيئات الأممية إلى اتخاذ موقف واضح وحازم من هذه الانتهاكات، والضغط على السلطات التونسية لاحترام التزاماتها الدولية والكفّ عن استخدام القضاء كأداة للانتقام السياسي.

Facebook
Twitter
Email
Print

Facebook

Twitter