مصر | 14 عامًا على ثورة 25 يناير: أين وصل الحلم؟

بالرغم من حلول الذكرى الرابعة عشرة لثورة 25 يناير، لا تزال المطالب الأساسية المتمثّلة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية بعيدةً عن الواقع الملموس. رغم التزاماتها الدولية المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تستمرّ فالدولة المصرية، في ممارسة سياساتٍ قمعيةٍ تُعرقل أي تحوّلٍ حقيقيّ نحو الإصلاح.

تُشير أحدث المؤشرات الاقتصادية الرسمية إلى إقدام السلطات على خفض دعم الخبز لأول مرةٍ منذ عقود، متسببةً في رفع سعره المدعوم بنحو أربعة أضعاف، بالتزامن مع تضخُّمٍ قاسٍ في أسعار السلع الأساسية تجاوز 50% في بعض التقديرات. ولا تخفي العديد من التقارير الدولية قلقها حيال اتساع رقعة الفقر، بحيث بات أكثر من 31 مليون مواطنٍ تحت خط الفقر، في غيابٍ شبه تامٍّ لإستراتيجياتٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ توازن بين ضرورة الإصلاح المالي وضمان مستوىً معيشيٍّ يحفظ الكرامة الإنسانية لفئاتٍ واسعةٍ من الشعب.

على الجانب الآخر، يستمرّ التضييق على الحقوق المدنية والسياسية في صورة اعتقالاتٍ تعسفيةٍ وملاحقاتٍ قانونيةٍ مبهمة، تمسّ ناشطين سياسيين ومدافعين ومدافعاتٍ عن حقوق الإنسان وصحافيين مستقلين. وتشير معلوماتٌ موثقةٌ إلى استخدام ما يُسمّى بـ”تُهمٍ فضفاضة” كالانتماء إلى جماعةٍ محظورة أو نشر أخبارٍ كاذبة أو إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف تكميم الأفواه وإفشال أي محاولةٍ للتعبير عن الرأي أو الاحتجاج السلمي. وقد وثّقت هيئاتٌ أمميةٌ حقوقية، من بينها لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة (2017)، شكاوى عدّة عن سوء معاملةٍ تصل حدّ التعذيب داخل السجون ومقار الاحتجاز، ما يضع البلاد أمام مأزقٍ دوليٍّ حول مصداقية التزامها بمواثيق حقوق الإنسان.

وفي الوقت الذي يُفترض فيه أن يُتاح للمجتمع المدني القيام بدورٍ رقابيٍّ حيويّ، تتعرّض المنظمات غير الحكومية والمراكز الحقوقية لحملةٍ مشددة من القيود الإدارية والأمنية، تشمل إغلاق بعض المكاتب وتجميد أصولها ومنع العاملين فيها من السفر. ومن المؤسف أنّ هذا التضييق لا يقف عند حدود الملاحقة القانونية بل يمتدّ إلى التشهير الإعلامي والتحريض ضد النشطاء، ما يُعرّضهم لخطرٍ دائمٍ ويقوّض دورهم في مراقبة الانتهاكات وتقديم الدعم للضحايا.

 

وإذ تُجدّد هيومينا إدانتها الواضحة لانتهاكات حقوق الإنسان المستمرة، تؤكّد ما يلي:
  1.     ضرورة وضع حدٍّ نهائي للإفلات من العقاب:
    لا يمكن الحديث عن عدالةٍ حقيقيةٍ أو منظومة قانونٍ فعّالة ما لم تتم محاسبة المتورطين في الانتهاكات، أمنيًا كان أو مؤسسيًا أو سياسيًا. إنّ استمرار ثقافة الإعفاء من المسؤولية يُفاقم حالة انعدام الثقة في أجهزة الدولة ويكرّس القمع الممنهج.
  2.     ضمان الإصلاح الجادّ والمساءلة:
    لا حريةً تُصان ولا عدالةً تتحقّق دون مراجعةٍ شاملةٍ للتشريعات المقيّدة للحريات، وإطلاق سراح المحتجزين على خلفياتٍ سياسيةٍ أو بسبب آرائهم. يتطلّب هذا الإصلاح آلياتٍ واضحةً تضمن الشفافية والرقابة على مؤسسات الأمن والسلطة التنفيذية.
  3.     حماية الفضاء المدني وتدعيم دور المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان:
    إنّ استمرار تقييد نشاط المجتمع المدني يُعدّ خطوةً متعمدةً لاخلاء الساحة من أي رقابةٍ أو مساءلة، ويهدد أحد أهم ركائز الدولة الديمقراطية. على السلطات رفع القيود عن الجمعيات والمنظمات المستقلة وإلغاء القرارات التي تُجرّم التوثيق أو المناصرة الحقوقية.
  4.     التزام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية:
    إن رفع أسعار السلع الأساسية وارتفاع معدلات التضخم دون وجود خطط حمايةٍ اجتماعيةٍ حقيقيةٍ يدفع الفئات الأكثر هشاشة نحو فقرٍ مدقع. على الحكومة تبني سياساتٍ اقتصاديةٍ تلبي الحاجات الأساسية وتكفل توزيعًا أكثر عدلًا للموارد، وتراعي مبدأ “العدالة الاجتماعية” الذي يمثّل أحد أعمدة ثورة يناير.

إنّ الإصرار على الدمج بين القمع السياسي وتجاهل التداعيات المعيشية لا يخلق سوى مناخٍ محتقنٍ تتسع فيه الهوة بين الدولة والمجتمع، ما ينذر بعواقبٍ وخيمةٍ على الاستقرار الوطني. إنّ مصر، بتاريخها وحضارتها، لا يمكن أن تتحمّل تدهورًا مستمرًا في الحقوق والحريات؛ خصوصًا أنها قد شهدت ثورةً طالبت بوضوح بالحرية والكرامة الإنسانية، ودفعت وما تزال تدفع أثمانًا باهظةً في سبيل هذه المطالب.

تؤكّد هيومينا التزامها الراسخ بالعمل مع جميع الأطراف المحلية والدولية للضغط على صُنّاع القرار، بهدف وقف الانتهاكات فورًا وإجراء مراجعةٍ شاملةٍ للسياسات القمعية والتشريعات القائمة، وتشجيع حوارٍ وطنيٍّ حقيقيٍّ يضع حقوق الإنسان في صلب أي مسارٍ إصلاحيّ. إنّ أسس العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ليست مطالبًا مفصولةً عن الدستور والمواثيق الأممية؛ بل تمثل الضامن الوحيد لاستقرارٍ حقيقيٍّ وعدالةٍ تُنصف جميع أفراد المجتمع. ويظلّ إنفاذ هذه المبادئ مسؤوليةً عاجلةً لا تقبل التأجيل.

 

 

Facebook
Twitter
Email
Print

Facebook

Twitter