أصدرت منظمة “هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية” تقريرها الجديد بعنوان “حق التجمع السلمي في الأردن: بين القيود التشريعية والممارسات الأمنية”، والذي يقدم دراسة شاملة حول الإطار القانوني والممارسات الميدانية التي تحكم حق التجمع السلمي في المملكة الأردنية الهاشمية. يستعرض التقرير السياقات التشريعية والتاريخية المتعلقة بهذا الحق، مسلطاً الضوء على التحديات التي يواجهها الأفراد والمجتمع المدني في ممارسة هذا الحق الأساسي.
يهدف التقرير الى تسليط الضوء على المسار الذي تتبعه الأردن في كفالة حق الأفراد في التجمع السلمي بما يتوافق مع المواثيق والاتفاقيات الدولية، والتركيز على الأليات القانونية الخاصة بتنظيم ممارسة هذا الحق، وصولاً الى التعديلات الأخيرة على قانون الاجتماعات العامة ودراسة مدى انسجامها بين حق الأفراد في التجمع السلمي من جهة، وبين حق الدولة في فرض بعض القيود التي تهدف الى الحفاظ على الأمن والنظام العام.
يتناول التقرير بالتفصيل الإطار القانوني الذي ينظم حرية التجمع السلمي في الأردن، بدءاً من النصوص الدستورية التي كفلت هذا الحق بموجب المادة 16 من الدستور الأردني، مروراً بالقوانين التي تنظم الاجتماعات العامة مثل القانون رقم 5 لعام 2011، وانتهاءً بتحليل مدى توافق هذه القوانين مع الالتزامات الدولية التي وقعتها الأردن، لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما يسلط التقرير الضوء على التباين بين الإطار القانوني والتطبيق العملي، حيث يشير إلى الثغرات التشريعية التي تُستغل لتقييد حرية التجمع، ومنح السلطات الإدارية صلاحيات واسعة للتحكم في هذا الحق.
على الصعيد التاريخي، يستعرض التقرير تطور حق التجمع السلمي في الأردن في سياقات متعددة، بدءاً من احتجاجات الثمانينيات التي انطلقت بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، وصولاً إلى موجة الاحتجاجات التي شهدتها المملكة خلال الربيع العربي في عام 2011. يبرز التقرير تأثير هذه الأحداث على صياغة التشريعات والسياسات المتعلقة بحرية التجمع، موضحاً كيف أن السياق السياسي والاقتصادي كان دائماً عاملاً حاسماً في تشكيل هذه الحقوق.
أما على مستوى الواقع الحالي، يوثق التقرير انتهاكات متكررة تتعلق بممارسات الأجهزة الأمنية في التعامل مع التجمعات السلمية. تشير الوثائق إلى استخدام القوة المفرطة في تفريق الاحتجاجات، والاعتقالات التعسفية، وسوء معاملة المحتجزين. كما يُبرز التقرير القيود الإدارية التي تُفرض على تنظيم التجمعات، مما يجعل ممارسة هذا الحق محفوفة بالمخاطر والتحديات.
يُسلط التقرير الضوء على دور المجتمع المدني في مواجهة هذه القيود، حيث تبرز المنظمات غير الحكومية كجهة أساسية في توعية المواطنين بحقوقهم، وتوثيق الانتهاكات، والدعوة إلى إصلاح التشريعات. ومع ذلك، يواجه المجتمع المدني قيوداً قانونية وإدارية تعرقل قدرته على العمل بحرية، ما يساهم في تضييق المساحة المتاحة للنشاط الحقوقي في البلاد.
يتضمن التقرير دراسة حالة تسلط الضوء على تجربة مريم (اسم مستعار)، ناشطة حقوقية واجهت اعتقالاً تعسفياً وظروف احتجاز غير إنسانية بسبب مشاركتها في احتجاجات سلمية. توضح الشهادة الأثر النفسي والجسدي الذي تعرضت له مريم، فضلاً عن الانتهاكات التي طالت حقوقها الأساسية، بما في ذلك عدم توفير الرعاية الطبية اللازمة ومنعها من الوصول إلى محامٍ أثناء التحقيقات.
يخلص التقرير إلى أن هناك حاجة ملحة لتعزيز الإطار التشريعي الذي يحكم حق التجمع السلمي، وضمان توافقه مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما يشدد على أهمية تعزيز آليات المساءلة لمحاسبة الجهات المسؤولة عن الانتهاكات، وضمان توفير الحماية القانونية والعملية للمواطنين الذين يمارسون حقهم في التعبير عن آرائهم من خلال التجمعات السلمية.