“إحساسي إنها فترة في السجن ونموت. الناس اتحكم عليها تفضل في المقبرة دي. خصوصًا مع التدوير وتفشي الكورونا ومنع الزيارات، فمفيش أي حاجة تدينا أمل”.
– الصحفية المصرية والمعتقلة السابقة سولافة مجدي شعورها خلال موجات الحرارة المرتفعة في الفترة التي قضتها بسجن القناطر للنساء.
مقدمة
تعاني مصر حاليًا من أزمة في توفير مصادر الطاقة ما نتج عنها أزمة في الكهرباء التي تنقطع لساعات طويلة مسببة معاناة للمصرين خاصة مع درجات الحرارة المرتفعة، فإذا كان المصريون يعانون موجات الحر خارج السجون، فما بال الأوضاع داخل السجون!
نحاول هنا إلقاء الضوء مرة أخرى على ظروف الحبس والأوضاع المعيشية داخل السجون المصرية، من خلال بضع مقابلات أجريناها مع سجناء رأي سابقين، يسردون شهادتهم الشخصية عن السجون ومقار الاحتجاز التي سُجنوا بها، مركزين على محورين رئيسين؛ كيف تزيد موجات الحرارة المرتفعة معاناة السجناء؟ وما هي الأدوات المتاحة التي تمكّنهم من مقاومة ظروف الحبس الصعبة في فصل الصيف؟
تمنحنا السطور التالية لمحة عن الأوضاع داخل السجون المصرية في فصل الصيف، وتطرح تساؤلات إذا ما كانت بعض التضييقات الأمنية على السجناء والظروف المعيشية البائسة تتخذ نمطًا محددًا وبشكل متعمد من قبل الداخلية المصرية، بغرض تكدير السجناء ومضاعفة معاناتهم وإتلافهم جسديًا وتدميرهم نفسيًا.
خلفية: هل سياسات الحكومة المصرية تفاقم الأزمات البيئية؟:
تعرضت مصر خلال الأسابيع الماضية لموجات حرارة شديدة، في ظل انتقادات لأداء الحكومة المصرية في التعامل مع الأزمات البيئية والاستمرار في قطع الأشجار في سبيل إنشاء طرق جديدة أو مشاريع قومية أو تطوير عمراني، الأمر الذي تسبب في تقلص ملحوظ للمساحات الخضراء، وربط البعض بين تلك السياسات وبين تفاقم موجات الحرارة، ولم يغب عن الأذهان، الظروف المعيشية للمعتقلين السياسيين والمعاناة اليومية التي يعيشونها، وتجدد الحديث مرة أخرى عن ظروف الحبس في السجون المصرية، خاصة مع موجات الحرارة المرتفعة التي قد تمثل عبئًا إضافيًا على المعتقلين، وربما مهددة لحياتهم في بعض الظروف.
تشير النشرة السنوية لإحصاءات المرافق العامة على مستوى مجالس المدن والأحياء لعام 2020، والتي يصدرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، إلى أنه يبلغ متوسط نصيب الفرد من المساحات الخضراء في المحافظات المصرية 17 سنتيمترات، ووصل إلى سنتمترين فقط في بعض المحافظات، فيما تقول الهيئة العامة للاستعلامات في مصر عبر موقعها الإلكتروني إن نصيب الفرد من المساحات الخضراء يُقدر بنحو 1.2 متر مربع، بينما توصى منظمة الصحة العالمية ألا يقل نصيب الفرد من المساحات الخضراء عن 9 أمتار.
وحسب مرصد الغابات العالمي، فقدت مصر خلال الفترة من 2013 حتى 2023 أكثر من خمسة ملايين متر مربع من المساحات الخضراء والغطاء الشجري، ما يعني انخفاضًا في الغطاء الشجري بنسبة 0.33% منذ عام 2000، حيث تستمر الحكومة المصرية في قطع الأشجار منذ عام 2014، خصوصًا في محافظتي القاهرة والجيزة، بدعوى توسعة الطرق والتنمية العمرانية، إلا إنه لوحظ نشاط لعمليات قطع للأشجار في الأسابيع الماضية دون سبب واضح، ودون توضيح من الجهات المسؤولة أو الإجابة عن سؤال؛ أين تذهب أخشاب الأشجار المقطوعة؟
وتنص المادة 45 من الدستور المصري على أن “الدولة تكفل حماية وتنمية المساحات الخضراء في الحضر”، وتجرّم المادة 367 من قانون العقوبات قطع النباتات والأشجار.
سجن بدر1: حزمة عقوبات من بينها ارتفاع الحرارة
في أواخر شهر يونيو 2024، انتشرت رسالة مسرّبة من سجن بدر1 تشير إلى دخول السجناء في إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجًا على الإهانة وسوء المعاملة والتنكيل بهم والتضييق على أسرهم في الزيارات، فضلًا عن ظروف المعيشة غير الآدمية، والمنع من التهوية (التريّض) في هذا الحر الشديد. قوبل إضراب السجناء بالمزيد من التنكيل والتهديد من ضابط الأمن الوطني المسؤول وليد الدهشان المعروف باسم أحمد فكري، عن طريق التشديد في الزيارات وزيادة تفتيش الغرف بشكل تعسفي، ونقل عشرات السجناء وتغريبهم إلى سجون بعيدة، كنوع من العقاب وتهديد الباقيين، حسب ما ذكرته رابطة أسر معتقلي سجن بدر، وما تمكنت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان من رصده.
وللضابط أحمد فكري تاريخ قديم من معاداة السجناء السياسيين والتنكيل بهم في السجون التي كان مسؤول عنها، حتى أن أسرة الناشط السياسي المعتقل علاء عبد الفتاح، تقدمت ضده في عام 2021 ببلاغ للنائب العام، بشأن وقائع تعذيب في سجن طره وتهديد لعلاء عبد الفتاح، وهو الضابط نفسه الذي طالما استمر في التضييق على الناشط السياسي والصحفي أحمد دومة في فترة اعتقاله في سجن طره قبل إطلاق سراحه، الأمر الذي يؤشر إلى خطورة استمراره في مثل هذه الممارسات العقابية ضد السجناء السياسيين، خصوصًا مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة.
فصل الصيف كعقوبة إضافية على المعتقلين وجريمة قتل محتملة
عندما يُذكر الحديث عن فصل الصيف وتأثير درجات الحرارة المرتفعة، أتذكر أربعة مشاهد من واقع تجربتي كسجين سياسي سابق يمكن الاستناد إلى شهادته ضمن الشهادات. المشهد الأول في صيف 2019، عندما استيقظنا في الزنزانة على خبر وفاة صديقنا السجين عمر عادل (30 عامًا) بعد أيام من إيداعه غرفة التأديب الانفرادية، رغم معاناته من ضيق التنفس وبعض المشاكل الصحية والنفسية. اختنق عمر عادل في التأديب وتوفى بعد إهمال طبي لحالته.
أما المشهد الثاني، فكان في صيف 2018، داخل غرفة الحجز أو حبسخانة نيابة أمن الدولة العليا، بمنطقة التجمع الخامس في القاهرة الجديدة، وكانت غرفة الحجز شبه مربعة مرصوفة ببلاط أسمنتي، وليس بها أي نوافذ أو فتحات للتهوية، ومع ارتفاع درجات الحرارة في ذاك اليوم وقضائنا أغلب اليوم في الحبسخانة وازدياد أعداد المحتجزين لأكثر من 150 شخصًا، ارتفعت حرارة الغرفة بحيث وجدنا صعوبة في التنفس والحصول على الأكسجين، وجميع من في الغرفة يتصببون عرقًا، فكان الحل أن يتبادل المحتجزون أدوار التهوية مستخدمين في ذلك، إما سجادات الصلاة أو بعض المناشف أو القمصان الشخصية.
والمشهد الثالث في صيف 2020 بسجن عنبر الزراعة، حيث سكنت غرفة يتراوح عدد المحتجزين فيها بين 50 -70 شخصًا، ولمقاومة الحر الشديد كان معظمهم يرتدون الملابس الداخلية فقط في أغلب فترات اليوم.
أما المشهد الرابع فكان في سيارة الترحيلات، وهي سيارة معدنية تنقل السجناء من السجون إلى النيابة أو المحكمة لحضور الجلسات والعكس، كانت الحرارة شديدة، والعدد متكدس داخل السيارة المعدنية والشمس متركزة علينا طوال الطريق، جميع من في السيارة يتصبب عرقًا لكننا نتحمل حتى نصل إلى المحكمة، لكن ما حدث في ذلك اليوم أن السيارة توقفت لأكثر من ساعة في وقت الظهيرة أمام المحكمة، ونحن محبوسون بالداخل نحاول الاستغاثة دون رد. ما استحضرته في ذهني ذلك اليوم، هو حادث سيارة الترحيلات في صيف 2013 الذي أودي بحياة 37 سجينًا أثناء ترحيلهم لسجن أبو زعبل.
كيف الحر في الزنزانة؟
على ذكر سجن أبو زعبل، يحكي الصحفي المصري إسلام ضيف عن فترة اعتقاله بسجن أبو زعبل 2، تحديدًا في أبريل 2021 عندما اجتاحت البلاد موجة حارة، كما يقول. وعلى الرغم من مساحة الغرف الضيقة التي تتسع لعشرة أفراد أو 12 فرد على الأكثر، لكن عدد السجناء يصل إلى 25 سجينًا في الزنزانة، ولا توجد أي وسائل للتهوية إلا شباك صغير أعلى الحائط ولا توجد مراوح في الغرف، كما أن المياه تنقطع في أغلب فترات النهار، وكذلك الكهرباء تنقطع بشكل متكرر.
حاول السجناء، في تلك الفترة، الدخول في مفاوضات مع إدارة السجن للسماح لهم بشراء مراوح، وكان رد الإدارة دومًا بالتسويف، يقول ضيف إنه لم يُسمح لهم بإدخال مروحة في الزنزانة حتى أُخلى سبيله، وبالتالي كانت المياه هي الوسيلة الوحيدة التي يستخدمها سجناء أبو زعبل للتخفيف من حدة الحرارة، ونظرًا لأنها متكررة الانقطاع خاصة في فترات النهار، فاضطروا إلى ملء الجرادل والدلاء المتوفرة كي تكفي لليوم التالي، ونادرًا ما تكفي بسبب العدد الكبير في الغرفة ووجود دورة مياه واحدة.
يعتقد ضيف أن ظروف أبو زعبل بشكل عام كانت أصعب من غالبية السجون الأخرى، وليس فقط في فترات موجات الحر، فكان هناك تعقيدات في دخول الزيارات، وقابلوا معاملة سيئة جدًا طوال الوقت، بما يشمل الدخول المتكرر من أفراد المباحث لتفتيش الغرف وبعثرة محتوياتها، وإجبار السجناء على حلاقة شعر رؤوسهم بشكل دوري والاعتداء عليهم بالضرب بغرض الإهانة والتكدير.
وبسبب هذه الظروف المعيشية الصعبة إلى جانب دخول موجات الحر، عانى بعض السجناء من أمراض جلدية، بينما ظهرت التأثيرات النفسية على آخرين، وشملت هذه التأثيرات حالات انهيارات عصبية وأعراض شبيهة بنوبات الصرع، يقول ضيف: “في ناس بتقوم مخضوضة بليل وتبكي، وناس حاولت تأذي نفسها وتضرب راسها في الباب الحديد بتاع الزنزانة”.
ومن سجن أبو زعبل بمحافظة القليوبية شمال شرق القاهرة، ننتقل إلى سجن بورسعيد في الساحل الشمالي الشرقي لمصر، الذي قضى فيه الباحث المصري في علم الاجتماع ودراسات الجسد، أحمد عبد الحليم، فترة من اعتقاله، حيث يحدثنا عن صيف 2015، وبالتحديد شهر يونيو الذي تزامن مع شهر رمضان ما زاد الأمر سوءًا على السجناء الصائمين.
كانت مساحة الغرف صغيرة وضيقة، ما يقرب من 2 متر في 3 متر، ويسكنها 8 سجناء؛ خمسة منهم على أسرّة وثلاثة يفترشون ما تبقى من الأرض، ولا تحتوي الغرفة على مصادر تهوية غير شباك صغير أعلى أحد الأسرّة يستفيد منه صاحب السرير الذي يسمح في بعض الأحيان لزملاء الزنزانة بالجلوس ليلًا على سريره لاستنشاق بعض الهواء.
يستعرض عبد الحليم المعاناة التي عاشها في هذه الظروف، خاصة أن الغرفة ليس بها لا مروحة ولا دورة مياه، وإدارة السجن تعنتت في دخول المراوح، فليس هناك أي طريقة لتخفيف حدة الحرارة إلا البقاء شبه عراة واستخدام أي ورقة أو أي شيء للتهوية، وللحفاظ على رطوبة الجسم منعًا للجفاف يشربون المياه الساخنة التي يحتفظون بها في الغرفة، لكن في هذه الحرارة المرتفعة، كلما شربت المياه كلما ازددت تعرقًا واحتجت لاستخدام دورة المياه (غير الموجودة) وبالتالي قضاء الحاجة في أكياس بلاستيكية يتخلصون منها في الصباح.
تمثلت الوسيلة الوحيدة في مقاومة الحر عبر محاولة استغلال وقت التهوية (التريّض) للتحمم، رغم أن وقت التهوية حوالي نصف ساعة لأربعين مسجون، وعدد الحمامات خمس حمامات فقط، فأحيانًا يكون من الصعب أن يكفي الوقت جميع السجناء، ناهيك عن الحاجة لملء الزجاجات لتخزين المياه، وغسل الملابس والنظافة الشخصية.
يقول عبد الحليم إن موجات الحر، تتسبب أيضًا في ظهور الحشرات والنمل والصراصير، وهذه الظروف السيئة تؤثر بالسلب على الصحة الجسدية والنفسية للمساجين، ويظهر ذلك جليًا في ازدياد معدلات القلق والتوتر وارتفاع معدلات المشاجرات بين السجناء وبعضهم، فأحيانا يتشاجر بعض السجناء إذا قام أحدهم بإشعال “السوستة” الكهربائية في الغرفة من أجل إعداد الطعام أو تسخين مياه، لأنها تزيد من درجة حرارة الغرفة.
سجون النساء ليست أفضل حالًا
أُلقي القبض على الصحفية والباحثة الحقوقية شيماء سامي، في 20 مايو 2020، بالتزامن مع اجتياح مصر موجة حارة، فقضت العشرة أيام الأولى من فترة اعتقالها مختفية قسريًا في مقر أمن الدولة بالإسكندرية. تقول شيماء إنها اُحتجزت في غرفة انفرادية بها كاميرا مراقبة وإضاءة على مدار اليوم، وبها مروحة للتهوية لكنهم أخذوا المروحة في اليوم الثاني كنوع من التكدير.
كانت شيماء ترتدي بلوزة ثقيلة نسبيًا مقارنة بحرارة الجو، وفي اليوم الثالث أو الرابع قررت تغيير البلوزة التي أصابتها بالتهابات جلدية وتسلخات، بسترة قصيرة الأكمام، فأمرها أحد أفراد الأمن بارتداء البلوزة الثقيلة مرة أخرى، بذريعة أن أفراد الأمن من الرجال ولا يجوز أن ترتدي ملابس خفيفة أمامهم.
لم تستطع شيماء الحفاظ على نظافتها الشخصية أو رطوبة جسدها في ظل هذا الوضع البشع، بل إنها عندما طالبت بالتحمم، كانت دورة المياه بها نافذة من أسلاك معدنية تكشف نصف جسد الشخص الموجود، وفي الجهة الأخرى يقف أفراد من الأمن والحراسة. وما زاد الطين بلة، إتيان موعد الدورة الشهرية.
ظهرت شيماء سامي في نيابة أمن الدولة بعد 10 أيام من الإخفاء القسري على ذمة القضية رقم 535 لسنة2020 ، ليتم نقلها من مقر الأمن الوطني إلى مديرية أمن الإسكندرية، حيث أودعت بغرفة صغيرة مساحتها متر ونصف في 2 متر تقريبًا، من المفترض أنها غرفة انفرادية، لكنها شاركت هذه المساحة الضيقة مع 3 سجينات سياسات أخريات، إحداهن مصابة بربو، فكان صعبًا عليها التنفس بشكل جيد في هذه الغرفة، خاصة أن الحجوزات تحت الأرض، ولم تسمح الإدارة بدخول مروحة إلا في منتصف شهر يوليو، بعد حوالي شهر ونصف من الطلب المتكرر.
تقول شيماء سامي: “استسلمت تمامًا لفكرة إني حرانة وتوقفت عن الشكوى، وكنت مرهقة للغاية. مفيش مجال إني أعمل أي حاجة. أنا طولي 172 سنتي، وعرض الغرفة متر ونص، في فترة كنت بحلم فقط إني أفرد رجلي بسبب التسلخات والالتهابات التي أصبت بها نتيجة التعرق والحر”.
ظلت شيماء قيد الاعتقال حتى الصيف التالي 2021 الذي قضته في سجن القناطر للنساء، والذي ستعاني فيه من أشكال مختلفة من التضييق والصعوبات المعيشية، من بينها وجودها في عنبر كبير من السجينات الجنائيات، لكنها مُحدد حركتها داخل العنبر، وممنوع أن تتحدث إلى أي سجينة أخرى غير سجينتين معينتين من الأمن مهمتهن تسهيل أمورها داخل العنبر ومراقبتها في نفس الوقت.
حاولن السجينات ملء الجرادل بالمياه نظرًا لأن المياه ضعيفة طوال الوقت، والحل الوحيد لمقاومة الحرارة هو التحمم، كما امتلأ العنبر بالحشرات والصراصير والفئران “تحس إنهم أصحاب المكان” حسب تعبير شيماء. وبسبب هذا الوضع، فانتشر القمل في العنبر كما أصبن بعض السجينات بإغماءات وأمراض جلدية كالجرب.
ورغم هذه الأوضاع وهذا الحر الشديد، اُضطرت شيماء لارتداء ملابسها كاملة، ولم ترتدِ أي ملابس خفيفة، وتحيل ذلك الأمر إلى وجود عدد من السجينات ذوات الميول الجنسية المثلية واللائي يتحرشن بالسجينات الأخريات في بعض الأحيان، “وعشان كده كنت حريصة حتى داخل الزنزانة أن أرتدي ملابسي كاملة حتى لا يتم التحرش بي!”.
الصحفية المصرية سولافة مجدي، تحكي لنا من منفاها في فرنسا، عن تجربتها مع موجات الحرارة المرتفعة في سجن القناطر للنساء. قُبض على سولافة في نوفمبر 2019، وقضت في حبسها الاحتياطي 18 شهرًا، في زنزانة يتراوح عدد السجينات فيها بين 150 و160، وكان هناك بعض نوافذ التهوية أعلى الحوائط، ومع قدوم فصل الشتاء وهطول الأمطار، دخلت المياه الزنزانة من النوافذ، كما اختلطت ببعض مخارج الكهرباء، ما مثل خطورة كبيرة على السجينات، فلجأت إدارة السجن إلى إغلاق النوافذ، مصادر التهوية الوحيدة، بدلًا من التفكير في حل المشكلة.
ومع دخول فصل الصيف، ازداد الأمر سوءًا بسبب سوء التهوية ودرجات الحرارة المرتفعة وانقطاع المياه عن الزنزانة أغلب الأوقات. حاولن السجينات اللجوء لبعض الأساليب للتخفيف من وطأة الأمر، فطالبوا إدارة السجن بالسماح لهن بشراء مراوح، واستجابت الإدارة بعد ضغوط، لكن ظلت أعداد المراوح غير كافية بسبب العدد الكبير للسجينات، وبالتالي استخدمن المراوح المتاحة بالتناوب بينهن.
تقول سولاقة: “المراوح كانت بتدخل بإذن من ضابط الأمن الوطني لبعض السياسيين، أنا مادخليش مروحة غير تاني سنة في السجن. الجنائيات كان بيدخلهم عادي، لكن السياسيات ليهم تعامل خاص”.
ولأن المياه منقطعة أغلب الوقت، فمسؤولة الزنزانة أوصلت خرطومًا بخزان المياه الموجود بالقرب من الزنزانة، وتقوم برش المياه على السجينات لترطيب أجسادهن وتخفيف الحرارة. إلى جانب شراء ألواح الثلج من كنتين السجن لتبريد المياه والعصائر.
ظهرت بعض التأثيرات الصحية السلبية نتيجة هذه الظروف، خصوصًا للسجينات اللاتي يعانين من أمراض ضغط الدم وضيق التنفس. تقول سولافة إنها عانت من ضيق التنفس طوال فترة الصيف، وترددت على الخروج إلى المستشفى من أجل جلسات التنفس الصناعي. كما وجدت السجينات صعوبة في النوم بسبب التكدس في الزنزانة وارتفاع الحرارة وازدياد القلق والتوتر، ولم تسعى إدارة السجن بأي شكل للمساعدة أو تخفيف المعاناة بأي طريقة أو تقليل عدد السجينات، بل على العكس، كان العدد في ازدياد حتى وصل العدد في إحدى الغرف لأكثر من 300 سجينة، وأصبح الوضع كارثي مع ظهور الكورونا، “الناس بتطلع من العنبر متشالة”.
تصف سولافة أسلوبها في المقاومة: “طول الوقت بفكّر في اللي برّه. إن ليّا ابن لازم اطلع له، وعندي أم معدية الخمسين بتيجي من آخر الدنيا، فماينفعش يكونوا أقوى مننا.. لازم نستحمل عشان نطلع لهم”.