في لمحة: الفضاء المدني، الاعتقال التعسّفي، حرية الصحافة | موجه لصنّاع السياسات، آليات الأمم المتحدة، الجهات المانحة، والإعلام المستقل
«هذا التقرير يحوّل الشهادات الموثّقة إلى خارطة طريق للمساءلة والحماية—حتى لا يبقى صمت الضحايا هو القاعدة بل الاستثناء.»
«صمتٌ بالقوّة: الانتهاكات الممنهجة للحوثيين ضدّ المدافعين/ات عن حقوق الإنسان في اليمن» هو قراءة موثوقة لتدهور الحقوق والحريات منذ سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) في 21 أيلول/سبتمبر 2014، وما أسفر عنه من منظومة قمع متصاعدة تتجاوز التضييق العام إلى سياسات ممنهجة للاعتقال التعسّفي والإخفاء القسري والتعذيب، ومحاكمات صوريّة تُنتهك فيها أبسط ضمانات العدالة، من بينها حرمان المتّهمين من اختيار محامين مستقلّين وفرض محامين موالين للجماعة. بهذه الأدوات تحوّل القمع إلى بنية حاكمة لإسكات الأصوات الناقدة وترسيخ السيطرة، وطال آلاف المدنيين من نشطاء وصحفيين ومدافعين/ات ومعارضين سياسيين، مع أثرٍ بنيويّ على النسيج الاجتماعي والمدني في شمال غرب اليمن وعلى إمكانات العمل الحقوقي والإعلامي المستقل.
يرتكز التقرير إلى منهجية متعددة المصادر تربط بين مقابلات معمّقة مع 12 شخصًا من صحفيين/ات وباحثين/ات وأُسر ضحايا، ومراجعة تحليلية لتقارير منظمات محلية ودولية ووثائق وآليات أممية، وإسناد قانوني يضع الوقائع ضمن إطار القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان ومعايير حماية الصحفيين والعاملين الإنسانيين زمن النزاعات. التزم فريق البحث معايير توثيق دقيقة وإجراءات سلامة صارمة؛ فحُجبت أي تفاصيل قد تُعرّف بالمبلّغين/ات أو الضحايا، وتم التثبّت من الشهادات عبر تقاطع المصادر قدر الإمكان في بيئة عالية المخاطر ومحدودة الوصول. يمتد النطاق الزمني من 2014 إلى 2025، مع إضاءة خاصة على تصاعد الانتهاكات في 2024–2025.
يبيّن التحليل أن الاستهداف لا يقف عند حدود الحريات الأساسية، بل يطاول المدافعين/ات عن حقوق الإنسان وموظفي المنظمات الدولية والمحلية والكوادر الإعلامية على نحو منظّم؛ إذ تقاطعت حملات التحريض الأخلاقي والسياسي التي وسمتهم بـ«العمالة» و«الفساد الأخلاقي» مع قيود عملية على التوثيق والوصول إلى الضحايا، فتشكّلت حالة تعتيم ممنهجة ضعفت معها الشفافية وتراجعت فرص المساءلة. ترافق ذلك مع اعتقالات وإخفاءات طالت صحفيين/ات ومؤسسات إعلامية، وضغوط إدارية وأمنية أقعدت منظمات مدنية عن الوصول وتقديم الخدمات، وحملات تشهير قوّضت ثقة الجمهور محليًا ودوليًا وأثّرت مباشرة على تدفق المعلومات المستقلة. على المستوى الإنساني، تظهر تداعيات نفسية واجتماعية عميقة على الضحايا وأسرهم، فيما يتزايد الإنهاك التنظيمي لدى الفاعلين المدنيين تحت وطأة الخوف والملاحقة والعوائق الإجرائية.
وتسجّل الفترة الأحدث حملات اقتحام واعتقال موسّعة منذ أيار/مايو 2024 طالت موظفي الأمم المتحدة ومنظمات دولية ومحلية، مع بث «اعترافات» يُرجّح انتزاعها تحت الإكراه واتهامات جماعية للعاملين الإنسانيين بالتجسّس، ما دفع بعض الوكالات إلى تقليص عملياتها أو إعادة انتشارها. وفي 7 تشرين الأوّل/أكتوبر 2025 أُعلن عن احتجاز إضافي لعدد من موظفي الأمم المتحدة في مناطق سيطرة الحوثيين، بما يعكس تصاعد المخاطر التشغيلية على الشركاء المحليين والدوليين، ويؤكد الحاجة إلى استجابة حماية منسّقة تُعيد شروط العمل الأساسية للجهات الإنسانية والحقوقية.
رغم وجود قرارات صادرة عن مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان ذات صلة، بقي التنفيذ محدودًا بفعل غياب أدوات إنفاذ فعّالة وتراجع دعم آليات الخبراء المستقلّين، ما رسّخ ثقافة الإفلات من العقاب. وعليه، يخلص التقرير إلى أن الإجراءات الرمزية لا تكفي؛ فوقف الانتهاكات واستعادة سيادة القانون يستلزمان خطوات ملموسة قابلة للقياس: إنشاء آلية دولية مستقلة للتحقيق والمساءلة، فرض عقوبات موجّهة على المتورّطين في الانتهاكات الجسيمة، الإفراج الفوري عن الصحفيين/ات والعاملين/ات المدنيين المحتجزين، الكشف عن مصير المخفيين قسرًا وتمكين الزيارات، وضمان برامج حماية ودعم قانوني ونفسي وصحي للناجين/ات—بما في ذلك الصحفيون/ات والعاملون/ات الفارّون من مناطق سيطرة الحوثيين. هذه ليست شعارات إضافية ولا توصيات عامة، بل متطلبات عملية لاستعادة الحماية ووقف إعادة إنتاج العنف.
حُجبت جميع المُعرِّفات حمايةً للمبلّغين/ات والضحايا، والتزم التقرير بمعايير التوثيق الحقوقي المعترف بها لضمان الدقة والموثوقية وخدمة جهود المناصرة والمساءلة.