Search
Close this search box.

تونس | هيومينا: الحكم بسجن رملة الدهماني عامين يُكرّس استخدام المرسوم 54 لمعاقبة التضامن والتعبير

تُدين منظمة “هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية” الحكم الغيابي الصادر بتاريخ 1 يوليو/جويلية 2025 بحق رملة الدهماني، بالسجن سنتين مع النفاذ العاجل، على خلفية تصريحات علنية تناولت ظروف احتجاز شقيقتها سنية الدهماني، وهي محامية ومعتقلة سياسية منذ مايو الماضي.

يأتي هذا الحكم بناءً على المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلّق بـ”مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال”، والذي بات يُستخدم كأداة لقمع حرية التعبير، لا سيما حين يتعلّق الأمر بانتقاد السلطات أو التضامن مع معتقلين سياسيين. الحكم على رملة الدهماني يُمثّل تطورًا بالغ الخطورة، حيث يُعاقَب بموجبه أحد أقرباء المعتقلين لمجرد ممارسته حقه المشروع في التعبير العلني والدفاع عن أفراد عائلته.

لقد تضمّنت تصريحات رملة الدهماني روايتها عن سوء المعاملة التي تعرّضت لها شقيقتها أثناء الاحتجاز، وتنديدًا بالإجراءات القضائية الجائرة، كما استخدمت منصات إعلامية محلية ودولية لتسليط الضوء على القضية. هذا النوع من التعبير محمي بموجب المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على الحق في التعبير ونقل المعلومات دون تدخل، كما تُعَدّ ممارسة مشروعة ضمن الدور الذي يلعبه المدافعون والمدافعات عن حقوق الإنسان، وحق الأقارب في فضح الانتهاكات.

وبدلًا من التحقيق في ما أُثير من ادعاءات حول الانتهاكات بحق سنية الدهماني، اختارت السلطات القضائية ملاحقة أختها رملة، في تجاهل صارخ للالتزامات الدولية لتونس، بما في ذلك إعلان الأمم المتحدة بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان، والذي يعترف بحق الأفراد والجماعات في الدفاع عن الآخرين، بما يشمل توثيق الانتهاكات وكشفها والتعبير عنها علنًا.

إن استخدام المرسوم عدد 54 في هذا السياق يندرج ضمن نمط أوسع من توظيف القانون لأغراض الانتقام السياسي، وتشويه التضامن المشروع باعتباره جريمة معلوماتية. هذا الانحراف التشريعي سبق أن عبّرت عن قلقها بشأنه المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ومقررون خاصون في الأمم المتحدة، والعديد من المنظمات الحقوقية الدولية، حيث حذّروا من غموض المصطلحات في نصوص المرسوم، وانعدام مبدأ النسبية فيه، وافتقاره لأي ضمانات تحول دون تعسّف تطبيقه.

لا يمكن فصل الحكم الغيابي الصادر بحق رملة الدهماني عن سياق الترهيب الذي يطال أقارب المعتقلين السياسيين، والذي يهدف إلى عزلهم عن الرأي العام، وتجريم التضامن معهم، ودفعهم إلى الصمت. وهو سلوك يهدد بتقويض كامل لمساحات التعبير والمرافعة المجتمعية في تونس، ويؤسس لسابقة خطيرة في التعامل مع عائلات المعتقلين.

صدور هذا الحكم، حتى بصيغته الغيابية، يشكّل انتكاسة إضافية تؤكد توظيف القضاء كأداة للانتقام السياسي وتقييد الحريات، في ظل تصاعد استخدام المرسوم 54 لملاحقة الأصوات الناقدة.كما يعكس غيابًا واضحًا لضمانات المحاكمة العادلة، وعلى رأسها الحق في الدفاع والمثول أمام قاضٍ مستقل ومحايد، وهو ما تُعززه مؤشرات متزايدة على افتقار النيابة العامة للاستقلالية المطلوبة بموجب المعايير الدولية.

إن هذا التطور يُسلّط الضوء على التدهور المستمر في وضع الحقوق والحريات في تونس، وعلى التوسع في استهداف المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، ليس فقط بسبب نشاطهم، بل حتى لمجرد تضامنهم أو ارتباطهم العائلي بمعتقلين سياسيين. هذا النمط يُهدد بخلق مناخ عام من التخويف الذاتي والصمت القسري، ويقوّض أي إمكانية للتعبئة المجتمعية أو الدفاع الجماعي عن الضحايا.

ويأتي هذا الحكم في إطار نمط متكرر من ملاحقة المدافعات والمدنيين/ات، يُظهر اتساع نطاق استخدام المرسوم 54 بشكل يتجاوز أهدافه المعلنة، ويؤسس لاستخدام ممنهج للقوانين لقمع التعبير السياسي والاجتماعي. كما يتعارض هذا النهج مع الفصلين 31 و49 من الدستور التونسي، اللذين ينصّان على حماية حرية التعبير، والتزام الدولة بعدم سنّ قوانين تُقيّد الحقوق إلا للضرورة القصوى وبما يتماشى مع المبادئ الديمقراطية.

تُجسّد هذه القضية امتدادًا لنمط قائم من ملاحقة الأصوات النسوية والمجتمعية بموجب المرسوم 54، والذي أثبتت ممارسات تطبيقه أنه يُستخدم لتجريم التعبير الحر والتضامن المشروع. ويُبرز الحكم بحق رملة الدهماني الحاجة الملحّة إلى مراجعة هذا المرسوم بما يتماشى مع التزامات تونس الدولية والدستورية، وضمان ألا يُستخدم القانون لتكميم الأفواه أو ترهيب المدافعات والمدنيين.إن استمرار استهداف المقرّبين من المعتقلين السياسيين يُمثّل تصعيدًا خطيرًا في حملة خنق الفضاء المدني وإسكات التضامن المجتمعي.

إن ملاحقة رملة الدهماني بسبب تضامنها مع شقيقتها، لا تمثل فقط انتهاكًا لحرية التعبير، بل تكشف عن نمط متزايد من استهداف النساء والمدافعات في الفضاء العام، بما يُعمّق من تهميش أصواةتهن، ويُقلّص من حضورهن في المجال العام، ويُضعف فرص المشاركة المدنية المتكافئة.

 

وتُجدد هيومينا دعوتها للسلطات التونسية إلى التراجع الفوري عن هذه الممارسات القمعية، والكفّ عن استهداف المدافعات والأصوات الحرة، والعمل على حماية الفضاء المدني بوصفه شرطًا أساسيًا لأي انتقال ديمقراطي حقيقي. كما تُواصل هيومينا مراقبة الانتهاكات المتصلة بالمرسوم 54، وتوثيق آثارها على حرية التعبير، وحقوق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في تونس.

Facebook
Twitter
Email
Print

Facebook

Twitter