منظمة هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية، وجمعية كلام، تعربان عن بالغ قلقهما إزاء التصعيد المستمر من قبل السلطات التونسية في حملتها القمعية ضد الفضاء المدني والحريات الرقمية. تعكس الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة التونسية لملاحقة المؤثرين وصانعي المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي بتهم غامضة تتعلق بانتهاك “الآداب العامة/الأخلاق الحميدة” تصعيداً مقلقاً للسيطرة الحكومية على حرية التعبير وتراجعاً خطيراً في مجال حقوق الإنسان في تونس.
في 26 أكتوبر/تشرين أول 2024، منحت وزيرة العدل التونسية ليلى جفال وزارة العدل صلاحيات جديدة لاتخاذ إجراءات قانونية ضد الأفراد الذين يُزعم أنهم ينتهكون “الآداب العامة” عبر منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة تيك توك وإنستغرام. وفي غضون أيام من هذا الإعلان، تم اعتقال ما لا يقل عن خمسة مؤثرين/ات بتهم “الفحش” عبر وسائل التواصل الاجتماعي”من بينهم ثلاث نساء، إحداهن حامل في شهرها الخامس، وعابرة جندرية. وفي 31 أكتوبر، أُدينت إحدى المؤثرات على تيك توك وحُكم عليه بالسجن أربع سنوات ونصف، في محاكمة سريعة ومثيرة للقلق.
في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أصدرت المحكمة الابتدائية في تونس أحكاماً بالسجن بحق أربعة من صانعي المحتوى لفترات تتراوح بين سنة ونصف وأربع سنوات ونصف. ولم يتوقف التصعيد عند هذا الحد؛ ففي 7 نوفمبر 2024، قضت المحكمة بسجن أربع صانعات محتوى إضافيات لمدة خمس سنوات لكل منهن.
تثير هذه الأحكام مخاوف جدية بشأن حرية التعبير، حيث تم ملاحقة هؤلاء الأفراد بسبب محتوى نشر على وسائل التواصل الاجتماعي. مما يخلق تأثيرًا مخيفًا على الحريات الرقمية في تونس ويزيد من تكميم الأصوات الناقدة في بيئة مقيدة.
هذه الخطوات هي جزء من حملة قمع حكومية أوسع تتماشى مع تراجع تونس في مؤشرات حقوق الإنسان الدولية. وفقاً لمرصد سيفكوس، تم تخفيض تصنيف الفضاء المدني في تونس من “متعثر” إلى “قمعي” في مارس/آذار 2023، مما يعكس نمطاً متزايداً من القمع. وبالمثل، سجل تقرير “الحرية في العالم 2024” تراجعات كبيرة في الحقوق السياسية والحريات المدنية في تونس، مشيراً إلى تكريس الحكومة للسلطة وتكثيف القيود على الأصوات المعارضة.
يعكس توظيف الحكومة التونسية للفصلين 226 و226 مكرر من المجلة الجزائية، بعد توسيعهما ليشملا المحتوى الرقمي، توجهاً مقلقاً. إذ تجرّم هذه النصوص الفضفاضة الأفعال التي تُعتبر “مخلة بالآداب العامة أو الأخلاق الحميدة” دون تقديم تعريفات دقيقة أو معايير واضحة. هذا الغموض يمنح السلطات صلاحيات واسعة للتأويل، مما يفتح المجال للاعتقالات التعسفية، والعقوبات المبالغ فيها، والتطبيق الانتقائي للقانون.
إن سرعة ملاحقة الأفراد على هذه الأسس تُشير إلى عملية قضائية تُعطي الأولوية لسيطرة الدولة على حساب حماية الحقوق. يشكل تطبيق مثل هذه التشريعات الغامضة انتهاكاً واضحاً لالتزامات تونس بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يضمن حرية التعبير وحق المحاكمة العادلة.
تمتد هذه الحملة القمعية إلى ما هو أبعد من التعبير الرقمي. منذ عام 2021، كثفت الحكومة التونسية إجراءاتها ضد منظمات المجتمع المدني والصحفيين والنشطاء. تتضمن هذه الإجراءات فرض لوائح تقييدية، إغلاق منظمات، وتهديدات للأفراد الذين يعبرون عن آرائهم بحرية.
هذه الحملة تهدد بمحو التقدم الذي أحرزته تونس منذ ثورة 2011. ترسل رسالة واضحة من التخويف إلى كل من يسعى إلى التعبير عن نفسه، سواء عبر الإنترنت أو خارجه. هذا الاتجاه لا يهدد الحريات الفردية فحسب، بل يهدد أيضاً دور المجتمع المدني في مساءلة الحكومة وضمان الشفافية.
ندعو السلطات التونسية إلى اتخاذ إجراءات فورية للحفاظ على المعايير الحقوقية الدولية:
- التوقف عن ملاحقة واحتجاز الأفراد بسبب محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، ومراجعة المادتين 226 و226 مكرر من قانون العقوبات لضمان توافقهما مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
- ضمان الإجراءات القانونية العادلة والشفافة لجميع الأفراد الذين يواجهون اتهامات تتعلق بالتعبير الرقمي، بما يتماشى مع التزامات تونس الدولية بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
- حماية الحريات الرقمية من خلال ضمان بقاء المنصات الإلكترونية فضاءات للتعبير الحر، واحترام خصوصية المستخدمين واستقلاليتهم الشخصية.
- الانخراط بجدية مع منظمات المجتمع المدني والهيئات الدولية لحقوق الإنسان لمراجعة وتعديل القوانين المتعلقة بالآداب العامة لضمان وضوحها وتناسبها واحترامها لحقوق الأفراد وحرياتهم.
كما نحث المجتمع الدولي، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان والمنظمات المدافعة عن الحقوق الرقمية، على متابعة هذه التطورات في تونس عن كثب ودعم منظمات المجتمع المدني التونسية. يجب على تونس أن تلتزم بالقيم التي تعهدت بها في انتقالها الديمقراطي، مع الحفاظ على فضاءات التعبير الحر والنقاش العام.
الموقعون:
- هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية
- جمعية كلام