Search
Close this search box.

القرار العراقي بحظر التظاهر خطوة تعسفية تُقوّض الحق في التجمع السلمي

تُعرب “هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية” عن قلقها العميق وإدانتها لقرار وزارة الداخلية العراقية القاضي بمنع جميع أشكال التظاهر السلمي في العاصمة بغداد خلال الفترة من 11 إلى 20 أيار/مايو 2025، تزامنًا مع استضافة القمة العربية.

إن هذا القرار، الذي نُفّذ فعليًا ورافَقَه تهديد صريح باعتقال أي شخص يشارك في احتجاجات، يشكل خرقًا جسيمًا للدستور العراقي والتزامات العراق بموجب القانون الدولي. المادة (38) من الدستور العراقي تنص بوضوح على أن الدولة تكفل حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، في حين ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي انضم إليه العراق، على أن الحق في التجمع السلمي لا يجوز تقييده إلا في أضيق الحدود، وبشروط صارمة تتعلق بالضرورة والتناسب واحترام الطابع الديمقراطي للمجتمع.

لم يستند قرار الحظر إلى أي مسوّغ قانوني واضح أو حالة طارئة معلنة، بل صدر بشكل إداري دون سند قضائي، وبعبارات عامة وشاملة تتنافى مع المبادئ الأساسية في القانون الدستوري والممارسات الفضلى المتعلقة بإدارة التجمعات العامة. إن استخدام مفهوم “الأمن” كمبرر لتقييد شامل ومسبق لحق جوهري مثل التظاهر، دون تمييز أو تقييم حالة بحالة، يُعد انحرافًا خطيرًا عن مبدأ سيادة القانون، ويقوّض ثقة المواطنين في قدرة الدولة على احترام الحقوق الأساسية وتنظيمها بشكل عادل.

توقيت القرار وظروفه يُثيران القلق كذلك. فبدل أن تكون استضافة العراق للقمة العربية مناسبة لتأكيد التزامه بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، اختارت السلطات أن تُغلِق الفضاء العام وتقيد أصوات المواطنين، وهو ما يبعث برسالة سلبية إلى الداخل والخارج على حد سواء. ذلك أن احترام الحقوق لا يتعارض مع إدارة الفعاليات الدولية، بل يعكس مدى نضج الدولة في التعامل مع التنوع والتعددية.

ما يزيد من خطورة هذا التوجه هو المنهجية المتكررة في التعامل مع الفضاء المدني، حيث لم يأتِ هذا القرار في فراغ، بل في سياق عام من التضييق على الحريات السياسية والإعلامية، والتوسع في استخدام الأدوات الأمنية كوسيلة لضبط المجال العام. إن اتساع نطاق هذه السياسات لا يدل على ضعف مؤسسي فقط، بل على غياب الإرادة السياسية لحماية الحريات التي نص عليها الدستور، والتي تشكل جوهر العلاقة بين المواطن والدولة.

كما نُحذر من الأثر التراكمي لهذا النوع من القرارات، الذي يؤدي إلى تآكل الشرعية الداخلية، ويقوّض أية فرص مستقبلية لبناء عقد اجتماعي جديد يقوم على المشاركة والمساءلة. إن إغلاق الباب أمام وسائل التعبير السلمي لا يؤدي إلا إلى تعميق الاحتقان وفتح المجال أمام خيارات أكثر كلفة على المجتمع والدولة على السواء.

إن تجريم الاحتجاج السلمي، حتى مؤقتًا، لا ينتج استقرارًا ولا يعالج أزمات حقيقية، بل يرسّخ نموذجًا سلطويًا في إدارة الحياة العامة. ويأتي هذا القرار ضمن نمط أوسع من القيود المفروضة على الحريات الأساسية في العراق، بما في ذلك التضييق على الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والإفلات من العقاب في حالات الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين، خاصة منذ احتجاجات تشرين 2019.

تُذكّر هيومينا بأن الحق في التجمع السلمي لا يتعلّق فقط بحرية التعبير، بل هو وسيلة أساسية للمشاركة السياسية والمساءلة المجتمعية، وتضييقه هو تقييد مباشر لمساحة المشاركة المدنية. لا يمكن بناء ديمقراطية فاعلة أو إصلاح جاد دون ضمان هذا الحق وضمان إمكانية ممارسته دون خوف أو عقاب.

ندعو السلطات العراقية إلى مراجعة نهجها في التعامل مع الحقوق والحريات، وإلى اتخاذ خطوات جدية تضمن عدم تكرار هذه السياسات مستقبلاً. كما نُشدّد على أهمية فتح حوار وطني جاد حول تنظيم الحق في التظاهر، يستند إلى احترام النصوص الدستورية والتزامات العراق الدولية، ويهدف إلى وضع إطار قانوني واضح يضمن ممارسة هذا الحق ويحمي المتظاهرين من القمع أو التجريم.

وإذ نُعبّر عن تضامننا الكامل مع من حُرموا من حقهم في التظاهر خلال هذه الفترة، فإننا نؤكد التزامنا في هيومينا بمواصلة توثيق ودعم قضايا الفضاء المدني، والعمل مع شركائنا المحليين والإقليميين والدوليين لتعزيز ثقافة الحقوق، ومساءلة السياسات التي تقيّدها، والدفاع عن كل من يُستهدف بسبب ممارسته لها.

ان احترام الحقوق ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب قانوني.
والحق في التجمع السلمي ليس امتيازًا تمنحه السلطة، بل ضمانة لا غنى عنها لأي مجتمع يريد الخروج من دوامة القمع إلى أفق المشاركة والمساءلة.

 

Facebook
Twitter
Email
Print