تدين هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية الحكم الصادر في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2025 عن الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بنابل والقاضي بالإعدام بحق المواطن صابر الشوشان.
صابر الشوشان عامل يومي من منطقة نائية في الوطن القبلي، أب لثلاثة أطفال، ومستواه التعليمي “ثانية ثانوي قديم”. كان يستخدم حسابًا على فيسبوك باسم “قيّس التعيس” لينشر من خلاله تعليقات ناقدة محدودة الانتشار لم يتجاوز صداها عشرات المتابعين. إن إصدار حكم بالإعدام على خلفية هذا النوع من التعبير يكشف بوضوح خطورة الانزلاق الذي تشهده المنظومة القضائية التونسية.
استنادًا إلى المعلومات المتاحة، وُجّهت إلى الشوشان اتهامات على أساس نصوص فضفاضة من المجلة الجزائية، بينها الفصل 67 (الإساءة إلى رئيس الجمهورية) والفصل 72 (الاعتداء المقصود لتغيير هيئة الدولة)، إضافةً إلى ملاحقات بدعوى «نشر أخبار زائفة». الملف أُحيل في البداية إلى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، لكنه تخلّى عنه لغياب أي صبغة إرهابية، ثم أُعيد إلى المحكمة الابتدائية بنابل التي أصدرت حكمها بالإعدام. إن الانتقال من نفي الإرهاب إلى إيقاع أقصى عقوبة بسبب منشورات على فيسبوك يُبرز عبثية توصيف الفعل وخرقًا صارخًا لمبدأ التناسب. علاوة على تعليق العمل بأحكم الاعدام منذ سنة 1991، و لئن لم يلغ القانون ذلك صراحة فإن الممارسة القضائية توجهت نحو ايقاف الاستناد عليه.
تونس ملتزمة دستوريًا ودوليًا بضمان حرية التعبير والمحاكمة العادلة. وبموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لا يجوز تقييد التعبير إلا وفق معايير الشرعية والضرورة والتناسب (المادة 19)، فيما تُقيَّد عقوبة الإعدام بحصرها في “أشد الجرائم خطورة” وبعد محاكمة عادلة (المادة 6). كما يكفل الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الحق في الحياة (المادة 4) والحق في التعبير والمحاكمة المنصفة (المادة 9). إن تجريم خطاب سياسي أو نقد للسلطة وتسويغه كجناية تُفضي إلى حكم بالإعدام لا ينسجم مع هذه الالتزامات، ويُحدث أثرًا مُجمِّدًا يهدد الصحفيين والمدافعين والمواطنين العاديين على حد سواء.
القضية لا تتعلق بنص أو مرسوم بعينه، بل تكشف اختلالًا بنيويًا في العلاقة بين السلطة والقانون: توسّع مفرط في التجريم السياسي، وتأويل عقابي للنصوص العامة، وإخلال بمبدأ التناسب، وانحراف في وظيفة القضاء من ضامن للحقوق إلى أداة للانتقام. إن ترك هذه السابقة دون معالجة سيكرّس مسارًا يعصف بما تبقى من الفضاء المدني في تونس.
تطالب هيومينا بما يلي:
- إلغاء الحكم فورًا والإفراج عن صابر الشوشان وضمان تمتّعه بمحاكمة عادلة عند الاقتضاء وفق المعايير الدولية وجبر الضرر.
- وقف استخدام نصوص التجريم السياسي في المجلّة الجزائية بما يتعارض مع حرية الرأي والتعبير، وإطلاق مراجعة تشريعية شاملة لضمان الاتساق مع المادتين 6 و19 من العهد الدولي والمادتين 4 و9 من الميثاق الأفريقي.
- صون استقلال القضاء ومنع تسييسه، وفتح تحقيق مهني وشفّاف في إجراءات الدعوى وتكييف التهم ومسارها، ومساءلة المسؤولين عن أي إخلالات.
- التزام علني من السلطات باحترام الحق في الحياة وحرية التعبير، ووقف الملاحقات القائمة على الآراء السلمية بحق الصحفيين والمدافعين والمدافعات والمواطنين.
وتشدد هيومينا على أنّ موقفها المبدئي والثابت هو رفض عقوبة الإعدام في جميع الحالات ودون استثناء، باعتبارها عقوبة لا إنسانية ولا رجعة فيها، ولا مكان لها في منظومة العدالة. ويضاعف استخدام هذه العقوبة كأداة لمعاقبة التعبير السلمي خطورتها ويجعلها انتهاكًا مضاعفًا للحق في الحياة والكرامة الإنسانية.
إن الحكم بالإعدام بسبب منشورات على فيسبوك لا يمثّل مجرد قضية فردية، بل لحظة فاصلة في مسار تقويض الفضاء المدني في تونس. وصمت المجتمع الدولي إزاءها سيُقرأ كضوء أخضر لمزيد من الانتهاكات.