تدين “هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية” بشدة قرار محكمة الاستئناف في الجزائر العاصمة الصادر في 1 يوليو 2025، بتأييد الحكم الجائر بالسجن خمس سنوات وغرامة قدرها 500 ألف دينار جزائري (نحو 3700 دولار أمريكي) ضد الكاتب الفرنسي الجزائري البارز بوعلام صنصال، في قضية تنطوي بوضوح على دوافع سياسية. هذا الحكم يُعد انتهاكًا صارخًا لالتزامات الجزائر الوطنية والدولية في مجال حقوق الإنسان، ويجسّد مسارًا متصاعدًا من القمع الممنهج ضد المعارضين والمنتقدين.
اعتُقل صنصال، البالغ من العمر 75 عامًا، في 16 نوفمبر 2024 فور وصوله إلى مطار هواري بومدين الدولي، وظل مصيره مجهولًا لأكثر من أسبوع، ما أثار مخاوف جدية من تعرضه للاختفاء القسري. خلال هذه الفترة، مُنع من التواصل مع محاميه واحتُجز بمعزل عن العالم الخارجي، في انتهاك صارخ لضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في القانون الجزائري، وفي المادتين 9 و14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تُعد الجزائر طرفًا فيه. كما يُعد هذا الإجراء انتهاكًا للمادة 45 من الدستور الجزائري، التي تكفل الحق في محاكمة عادلة.
تستند التهم الموجهة لصنصال، والمتمثلة في “المساس بالوحدة الوطنية” و”تهديد استقرار مؤسسات الدولة” بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، إلى تصريحات سلمية أدلى بها في مقابلة مع وسيلة إعلام فرنسية، انتقد فيها السلطات الجزائرية وأعرب عن قلقه إزاء الحريات العامة والحكم. لم تتضمن تصريحاته أي تحريض على العنف أو الكراهية، ويُعد الحكم الصادر بحقه انتهاكًا صارخًا للمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة 54 من الدستور الجزائري، اللتين تضمنان الحق في حرية التعبير.
وقد سبق أن انتقدت منظمات حقوق الإنسان المادة 87 مكرر بسبب غموضها واتساع نطاقها، مما يسمح للسلطات باستخدامها بشكل تعسفي لقمع الرأي. استمرار العمل بهذه المادة يقوض سيادة القانون، ويتنافى مع التزامات الجزائر بموجب الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي يكفل حرية التعبير والمشاركة في الشأن العام.
يمثل سجن صنصال نموذجًا لما يتعرض له الكتاب والصحفيون والفنانون ونشطاء المجتمع المدني في الجزائر من قمع متزايد. ورغم شهرته العالمية وحصوله على جوائز أدبية مرموقة، من بينها جائزة السلام من اتحاد الناشرين الألمان وعضويته في الأكاديمية الفرنسية، لم يشفع له كل ذلك أمام آلة القمع الرسمية. وتُظهر قضيته أن لا أحد في الجزائر بمنأى عن الاضطهاد، مهما بلغ شأنه.
وفي يناير 2025، اعتمد البرلمان الأوروبي القرار رقم TA/2025/0005 الذي أدان اعتقال صنصال، ودعا إلى الإفراج الفوري عنه، مؤكدًا أن احترام حقوق الإنسان يجب أن يكون شرطًا أساسيًا في أي تعاون مستقبلي بين الاتحاد الأوروبي والجزائر. كما عبرت منظمات دولية بارزة وأكثر من 150 كاتبًا ومثقفًا، بمن فيهم حاصلون على جوائز نوبل، عن إدانتهم الشديدة لهذه الانتهاكات. وتشير تقارير إلى أن صنصال بدأ إضرابًا عن الطعام احتجاجًا على سجنه التعسفي.
تدعو هيومينا السلطات الجزائرية إلى:
- الإفراج الفوري وغير المشروط عن بوعلام صنصال، وإلغاء الحكم الصادر بحقه، وتوفير جبر كامل للأضرار والانتهاكات التي تعرض لها؛
- إلغاء المادة 87 مكرر وكافة النصوص القانونية الفضفاضة الأخرى التي تُستخدم لقمع التعبير السلمي والمعارضة؛
- اتخاذ خطوات ملموسة لضمان الالتزام الكامل والمستمر بالتزامات الجزائر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والدستور الجزائري.
كما تحث هيومينا الاتحاد الأوروبي، وآليات الأمم المتحدة الخاصة، وشركاء الجزائر الدوليين، على اتخاذ مواقف حازمة والتنديد العلني بسجن صنصال. ويجب أن يُربط أي تعاون دبلوماسي أو اقتصادي مستقبلي مع الجزائر بإحراز تقدم ملموس في مجال حقوق الإنسان.
قضية صنصال ليست حادثة معزولة، بل جزء من استراتيجية ممنهجة لإسكات أصوات الضمير. على المجتمع الدولي أن يتحرك بشكل عاجل ووفق مبادئ واضحة. لا يجب أن تكون الإفلات من العقاب ثمنًا للشراكة.