Search
Close this search box.

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2025: الفضاء المدني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت ضغطٍ ممنهج ومستمر

بيروت – 10 كانون الأوّل / ديسمبر 2025

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2025، يمرّ الإقليم على واقع تُواجَه فيه حرية التعبير والاحتجاج السلمي والتنظيم المجتمعي والعمل في الفضاءات الرقمية بضغوط أمنية وقانونية متصاعدة في معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. منذ اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، ظلّ الفارق واسعًا بين النصوص التي تؤكد الكرامة والحرية والمشاركة، وبين الممارسات التي تُخضع هذه الحقوق لمنطق الأمن والسيطرة السياسية.

خلال السنوات الأخيرة، رصدت هيومينا، بالاستناد إلى عملها المباشر في المنطقة وإلى CIVICUS Monitor، أن جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقع اليوم ضمن الفئات الثلاث الأكثر تقييدًا للفضاء المدني: «مغلق»، «مقموع» أو «مُعرقَل»، من دون أي دولة واحدة ذات فضاء مدني «مفتوح». هذا التوصيف لا يلخّص كل تعقيدات الواقع، لكنه يعكس بوضوح أن حرية التنظيم والتجمّع والتعبير لم تعد تُعامَل كحقوق مضمونة، بل كمساحة ضيقة يمكن تقييدها أو معاقبة من يشغلونها في أي وقت عبر المنظومات القانونية والأمنية القائمة.

في مصر، سجّلت هيومينا، اعتمادًا على متابعات ميدانية وتقارير شركاء محلّيين ودوليين، استمرار استخدام قوانين مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية وتشريعات الجمعيات لإنتاج بيئة تجعل العمل الحقوقي المستقل شبه مستحيل داخل البلاد. الحبس الاحتياطي الطويل، وإعادة تدوير القضايا، ومنع السفر، وتجميد الأصول، تتكرّر كأدوات تستهدف مدافعين/ات وصحفيين/ات ومعارضين/ات سياسيين لمجرّد عملهم السلمي أو توثيقهم للانتهاكات.

في تونس، تابعت هيومينا ومنظمات شريكة مسار تراجع واضح في الضمانات الدستورية والمؤسسية وفي استقلال القضاء، مع توسّع في استخدام المراسيم الاستثنائية، وعلى رأسها المرسوم 54 المتعلّق بالجرائم المتّصلة بأنظمة المعلومات والاتصال. رُصِدت خلال العامين الماضيين قضايا متعدّدة استُخدم فيها هذا المرسوم لملاحقة صحفيين/ات ومحامين/ات وناشطين/ات بسبب تعبيرهم عن آراء ناقدة أو تغطيتهم لقضايا سياسية وحقوقية، بالتوازي مع قضايا واسعة مثل ملف «التآمر على أمن الدولة» الذي عزّز توظيف القضاء الجزائي في التعامل مع الخلاف السياسي.

في البحرين، تُظهر متابعة هيومينا وقراءة التقارير الحقوقية المتخصّصة استمرار وجود عشرات السجناء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان خلف القضبان، بموجب أحكام طويلة الأمد أو مؤبّدة، في ظلّ توثيق متكرر لحالات تعذيب وسوء معاملة وضعف شديد في آليات المساءلة. الفضاء المدني هناك مغلق فعليًا، والحياة السياسية المنظمة مقيدة إلى حدّ كبير، بما يترك مجال العمل العام في أدنى مستوياته.

في لبنان والمغرب، رصدت هيومينا مزيجًا من الحيوية والقيود. لا تزال هناك مبادرات قاعدية، ومنصّات إعلامية مستقلة، ومساحات للنقاش، لكن هذا الهامش هشّ وقابل للتقييد السريع من خلال الاستدعاءات الأمنية، وقضايا القدح والذمّ والجرائم الإلكترونية، وحملات التشهير، والتضييق على الاحتجاجات. تصنيف الفضاء المدني في البلدين كـ«مُعرقَل» يعكس وجود مجال للعمل العام، لكن من دون ضمانات حقيقية لاستمراره أو اتساعه، مع تحمّل المدافعين والمدافعات والمنظمات الأكثر استقلالية الكلفة الأكبر.

في فلسطين والأراضي الفلسطينية المحتلة، تتقاطع المعلومات التي وثّقتها هيومينا مع ما تورده منظمات فلسطينية ودولية متخصّصة حول تقييد الفضاء المدني في سياق الاحتلال والعدوان والحصار. منظمات حقوقية فلسطينية تُستهدف بالإغلاق أو التجريم، وصحفيون/ات ومتظاهرون/ات يُستهدفون خلال التغطية أو التوثيق الميداني، فيما يعيش الفلسطينيون في غزة تحت مستويات غير مسبوقة من القتل والتدمير والحصار. استنادًا إلى بيانات أممية حديثة، بلغ عدد من قُتلوا في غزة منذ 7 تشرين الأوّل / أكتوبر 2023 حتى أواخر تشرين الثاني / نوفمبر 2025 نحو 69,785 شخصًا، وعدد الجرحى 170,965، إلى جانب تدمير واسع للبنية التحتية الأساسية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء. في مثل هذا السياق، ينحصر معنى «الفضاء المدني» في قدرة الناس على البقاء والاستجابة الإنسانية أكثر مما ينحصر في إمكانيات المشاركة والمساءلة.

هذه الأنماط لا تنتج عن قرارات أمنية منفصلة فقط، بل عن بنية قانونية وسياساتية متشابكة. في أكثر من بلد تعمل عليه هيومينا، يتّضح اتساع تعريفات «الإرهاب» و«تهديد الأمن القومي» لتشمل المعارضة السلمية والعمل الحقوقي؛ واستخدام قوانين الجمعيات لضبط التسجيل والتمويل والأنشطة، بما يُبقي المنظمات المستقلة في حالة هشاشة قانونية وإدارية دائمة؛ وتحويل قوانين الجرائم الإلكترونية إلى بوّابة لمحاكمة منشور أو تغريدة أو مادة صحفية؛ وإحالة قضايا لها جوهر حقوقي إلى محاكم استثنائية أو متخصّصة بدلًا من القضاء الطبيعي.

في ملفات متعدّدة تابعتها هيومينا، أصبح القمع الرقمي والقمع العابر للحدود جزءًا ثابتًا من الصورة. تشريعات الجرائم الإلكترونية تُستخدم في عدد من دول المنطقة لمعاقبة محتوى سلمي على الإنترنت، من منشورات تضامن وانتقاد للسياسات إلى توثيق مستقل للفساد والانتهاكات، بالتوازي مع توسّع المراقبة الرقمية واستخدام أدوات تجسّس متقدّمة تستهدف المدافعين والمدافعات والصحفيين/ات. كما وثّقت هيومينا وشركاؤها حالات لقمع عابر للحدود، تشمل تهديد وملاحقة نشطاء/ات في المنفى، واستدعاء أو استهداف أقاربهم/ن في الداخل، واستخدام قنوات التعاون القضائي وملفات الترحيل في قضايا يغلب عليها الطابع السياسي.

أمام هذا الواقع، تظلّ مسؤولية الحكومات في المنطقة واضحة: مراجعة المنظومة القانونية والسياساتية التي تُستخدم لإغلاق الفضاء المدني، بما في ذلك تعديل النصوص الأكثر تقييدًا في قوانين مكافحة الإرهاب، والجرائم الإلكترونية، والجمعيات، والتجمّع السلمي؛ ووقف ملاحقة الأفراد بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم في التعبير والتنظيم والاحتجاج؛ وإنهاء إحالة قضايا الحريات إلى المحاكم الاستثنائية؛ واتخاذ خطوات ملموسة لمكافحة التعذيب وسوء المعاملة وتعليق تطبيق عقوبة الإعدام تمهيدًا لإلغائها.

في موازاة ذلك، ترى هيومينا أن الشركاء الدوليين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي ودول أخرى فاعلة سياسيًا واقتصاديًا في المنطقة، لا يمكنهم الاكتفاء بالتأكيد الخطابي على حقوق الإنسان مع الاستمرار في سياسات تعطي الأولوية لملفّات الأمن والهجرة والطاقة. ربط التعاون السياسي والأمني والاقتصادي مع حكومات المنطقة بحماية الفضاء المدني واحترام الحقوق الأساسية بات شرطًا لأي استقرار مستدام. ويتطلّب ذلك مراجعة سياسات تصدير الأسلحة وأنظمة المراقبة والتجسّس إلى الأطراف المنخرطة في انتهاكات جسيمة، وتطوير مسارات حماية وتأشيرات إنسانية خاصة للمدافعين والمدافعات المعرّضين/ات للخطر، وخاصة ضحايا القمع العابر للحدود، بما يضمن ألّا تتحوّل سياسات اللجوء والهجرة إلى أدوات إضافية للضغط أو المقايضة السياسية.

خلال السنوات الماضية، عملت هيومينا على توثيق ورصد تحوّلات الفضاء المدني والأطر القانونية والممارسات الأمنية في عدد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى مرافقة المدافعين والمدافعات والمنظمات المستقلة داخل البلدان وفي المنفى، من خلال الإسناد المعرفي، وبناء الأدوات، والربط بشبكات حماية وتضامن، والمساهمة في إدخال خبراتهم/ن في النقاشات السياسية والحقوقية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. كما شاركت في مسارات مناصرة متعددة أمام الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وآليات أخرى، بهدف جعل حماية الفضاء المدني والحقوق الأساسية جزءًا واضحًا من السياسات تجاه المنطقة.

ستواصل هيومينا العمل على تعزيز أدوات الرصد والتحليل، وتوسيع مرافقة المدافعين والمدافعات، وتحديد أولويات مناصرة أكثر دقة تجاه الحكومات والشركاء الدوليين.

«عندما يُغلَق الفضاء المدني، لا تختفي المطالب بالحرية والعدالة، بل تُدفَع إلى مساحات أكثر هشاشة وخطورة. حماية المدافعين والمدافعات اليوم هي الحدّ الأدنى للحفاظ على إمكانية أي تغيير ديمقراطي غدًا

مصطفى فؤاد، المدير التنفيذي لهيومينا من أجل حقوق الإنسان والمشاركة المدنية

 

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2025، يبقى المعيار الحقيقي لالتزام دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمنظومة الدولية بحقوق الإنسان هو القرارات التي تُتَّخذ، والقوانين والسياسات التي تُراجَع، ومدى قدرة المدافعين والمدافعات والمنظمات المستقلة على مواصلة عملهم/ن بهامش أوسع وكلفة أقل، داخل بلدانهم/ن، وفي الفضاء الرقمي، وعبر الحدود.

Facebook
Twitter
Email
Print