تعد الطائفية السياسية مُستحكمة وراسخة للغاية بالمجتمع اللبناني، وسياسة البلاد، والأهم: إحساس الشعب اللبناني نفسه بهويته. وغني عن القول إن عقودًا من الطائفية المتأثرة بحقبة الاستعمار قد أثرت بدورها سلبًا على حياتنا، و حتى الآن لا نهاية في الأفق لهيمنة هذا النظام. وبينما تحدث بعض التغييرات ببطء وإن بثبات ، مثل الانتخابات التي طال انتظارها وتعيين رئيس ورئيس الوزراء جديدين على التوالي ، بيد أنه لا يمكن افتراض أن آليات القوة في هذا البلد تتغير تلقائيا، وليس بوسعنا توقع ذلك.
على أيِّ حال، أحدث النشاط العام في لبنان تغييرا يستحق التأمّل، خصوصا بعد أحداث السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول للعام 2019، والانتخابات البرلمانية في 2022. فقد ظهرت بعض المنصات الإعلامية المستقلة مثلا كردّ فعل على الإعلام العام والتقليدي، الأحادي المتحزب والطائفي. تتضمّن بعض الأمثلة مواقع: ميغافون، دَرَج، رصيف 22، وغيرها ، وركزوا على تبني تقنيات ومناهج في رواية القصص الخبرية بما يجعلها سهلة الوصول لجمهور أصغر سنا وأكثر وعيا سياسيا يشعر بانفصال عن السرديات الإعلامية التقليدية. وبمواجهة التغطيات الطائفية السائدة، يعد أمرا مثيرا للاهتمام تحليل العلاقة بين “النشاط الإعلامي” و”سياسة الهوية الحالية”، وكيف يتعاطى هذا النشاط الإعلامي مع تلك القضية الحسّاسة.
بعبارة أخرى، تتطلع هذه المقالة لفهم: كيف يعمل الإعلام البديل كوسائط ضدّ الذرائعية و سياسة الهوية الطائفية، حيث أنه يلعب دورا حاسما عندما يتعلق الأمر بالمناصرة ضدّ هيمنة السياسة الطائفية اللبنانية. وعلى هذا، ستنصب دراسة الحالة محل النقاش على “الحرب الأخيرة ضد لبنان التي اندلعت في سبتمبر/أيلول 2024.” كما تحاول هذه الورقة الإجابة على السؤال: كيف تشارك وسائل الإعلام تلك في تحدّي الخطاب السائد؟
سياسة الهوية
يعنى بـ “سياسات الهوية” ذرائعية واستغلالية الهوية من قبل النخبة السياسية، والتي ساهمت لحد بعيد في استحكام وتجذير الانقسامات الطائفية بالمجتمع اللبناني. إن هذا التلاعب والذي صكه كمصطلح “اقتناص النخبة” الفيلسوف أولفيمي أو. تايو، (وهو فيلسوف أمريكي وأستاذ للفلسفة بجامعة جورج تاون – المترجم) يحدث عندما تدير قلةُ من أصحاب الامتيازات الموارد والمؤسسات، المفترض أن تخدم النطاق الأوسع من السكان، لخدمة مصالحهم الشخصية والخاصة. بينما يمكن لسياسة الهوية أن تشجّع المجموعات المهمّشة، تستغلّ النخب هذه الهويّات كثيرا بما ينتهي ضدّ مصالح تلك المجموعات، وهو ما يجعل الظاهرة إشكالية.
ووفقا لتعريف مقدسي، فقد تطورت الطائفية السياسية تحت ترتيبات المشاركة بالحكم إبان الانتداب الفرنسي، الذي كان يفضِّل ويميز السكان المارون بوضع الانتماء الديني في مركز الأنظمة السياسية والإدارية. وكطريقة للتنصل من المسؤولية وتحويل أصابع الاتهام بعيدا عنهم، والإبقاء على الوضع الطائفي الراهن ، قوّت تصرفات النخبة انقسامات طائفية بينما تدينها في العلن. من المهم أيضا ملاحظة ذلك على الرغم من النصّ الدستوري الذي يدعو وبلا لبس إلى إلغاء الطائفية السياسية ، يستمرّ النظام الطائفي في توظيف النخبة لسياسات الهوية.
بشكل ملموس أكثر، كيف تشارك أجهزة الإعلام في إبقاء حكم سياسة الهوية؟ وسائل الإعلام، التي يطلق عليها في أغلب الأحيان السلطة الرابعة، تلعب دورا حاسما في إدامة خطاب النخبة.. في لبنان، منظمات إعلامية تمتلك بشكل كبير أو تأثّرت بالنخب الطائفية و/ أو أباطرة المال والأعمال ، لذلك عمل كلسانِ حال لأولئك الذين يموّلونهم. هذا الاستخدام المتعمّد لأجهزة الإعلام من النخب مثال أساسي عن كيف تستخدم سياسة الهوية مرارا وتكرارا لإبقاء نفوذ القلة المحظوظة بدلا من تشجيع المجموعات المضطهدة.
تُظهر وسائل الإعلام التقليدية والطائفية زاوية واحدة فقط من القضية ، أو زاوية مبالغ فيه منها ، والتي تعزز خطاب يخدّم على النخبة نفسها. لتوضيح هذا أكثر، نلاحظ أنه وفقًا لدراسة أجريت على التصوير المتحيز للاجئين السوريين الذي تتبناه وسائل الإعلام اللبنانية التقليدية، فقد زعمت بعض التقارير ، ودون أي دليل ، على أن اللاجئين يغيرون عمدا الهيكل الثقافي والسكاني/الديمغرافي للبنان. كما بالغ صحفي من النهار في تقدير عدد اللاجئين السوريين في لبنان ، على الرغم من كون الأرقام الرسمية تعلن عددًا أقل بكثير. تُظهر الأمثلة الأكثر تشديدًا كيف أن المحطات اللبنانية الأخرى ، مثل تلفزيون الجديد و إم تي في قد بثت المقابلات وتقارير تضخّم حالة العداوة العامة تجاه اللاجئين السوريين.
الناشطية الإعلامية في لبنان
هذا، ومع صعود الحركات غير الطائفية، فقد شقّت وسائل الإعلام البديل طريقها كنشطاء لمواجهة الوضع الراهن. في مقابلة على قناة الجزيرة، أوضح عضو في ميغافون أنّ اسم الموقع نبع من أن أغلب أعضائه كان يحملون مكبّرات صوت في وقت ما، وهو ما يؤكّد سمة “الناشطية والحركية” للموقع. بعبارة أخرى، يشارك صحفيو هذه المنظمة الناشطة في التعبئة الميدانية على الأرض أيضا. فبأي طرق عملت هذه المواقع كنشطاء فيما هو أبعد من العالم الرقمي؟
على سبيل المثال، يتبنى موفع درَج مدخلاً وتقاربًا استقصائيا للنشاط بكشف وفضح الفساد المالي، خصوصا خلال تغطيته للفضائح الأشهر مثل وثائق باندورا. في الحقيقة، قدمت التحقيقات أدلة مؤكّدة أفضت لقضايا قانونية ضدّ السياسيين اللبنانيين متهمين بالفساد. وهذا تجاوز رفع الوعي العامّ، بل شجّع النشطاء والمختصين القانونيين على المطالبة بالمحاسبة. تعرض صحافة درج المستقلة قصصا تتحدى الروايات التي تجيزها الدولة، وتتبنّى النشاط، والمقاومة، والتغيير.
وفيما يتعلّق بميغافون، وأثناء الانتفاضة، من الهام الإشارة إلى أن الموقع قد غدا مصدرا أساسيا للأخبار والتحديثات. لقد عمل كلجنة رقابة للمواطنين بكشف تكتيكات الحكومة والبنوك بينما قد أيضا تغطيات يومية لمجريات الأحداث على الأرض.. إضافة إلى ذلك، حلّل صحافيوه بيانات رسمية، خصوصا المتعلقة بالنظام الاقتصادي، وحلل بشكل نقدي الخطاب السياسي الدارج.
مع هذا، وبسبب مدخلهم كنشطاء، تعمل وسائل الإعلام تلك وسط مناخ مقيّد جدا إذ تمارس النخب السياسية ضغطا اقتصاديا وقانونيا كبيرا لتقويض عملهم الصحافي. لذلك، في محاولة لمقاومة القيود الحكومية على حرية التعبير، أسّست أربعُ عشرة منظمة لبنانية وأجنبية، ومنها ميغافون ودرج، في العام 2020 “تحالف الدفاع عن حرية التعبيرفي لبنان”. طبقا للمجموعة، فقد زادت وتيرة القمع والهجمات على التعبير السلمي بعد السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2019. حيث تم استدعاء ما لا يقلّ عن 60 شخصا للتحقيق معهم في منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. في 15 يونيو/حزيران. بالإضافة، وفي الخامس عشر من يونيو/حزيران، 2020، النائب العام التمييزي أصدر أمرا لأحد الأجهزة الأمنية بالتحقيق في التدوينات التي تطال مقام الرئيس على وسائل التواصل الاجتماعي، متذرِّعا بقوانين تُجرّم القدح والذمّ في البلاد، علما أن عقوبة إهانة الرئيس – وفقا للقوانين اللبنانية- قد تصل إلى السجن لمدة سنتين.
خلال النشاط والصحافة الاستقصائية، أدى الموقعان درج و ميقافون، كوسائل إعلام مستقلة، دورا فعّالا في مجابهة الرقابة الرسمية المعارضة والترويج لحرية الصحافة. إضافة إلى ذلك، من الهام ملاحظة أن كلا الموقعين لا يعتمد على التمويل من قبل الشخصيات السياسية الرسمية أو من دول الجوار، وهما بهذا يتحديان هكذا القيود والموانع التي تؤطر عمل أجهزة الإعلام التقليدية. طبقا للموقعين على الإنترنت، فإنهما يتلقيان تمويلا دوليا لا يتداخل في عملهما.
المسألة الفلسطينيّة
الآن، للوصول إلى صميم هذه المقالة، من الضروري طرح سياق خلفية قصير بخصوص “استبعاد” الفلسطينيين والحرب الأخيرة (في لبنان وغزة). بالإضافة إلى إدامة الانقسامات الداخلية بين الشعب اللبناني، يحدّد هذا الإطار الطائفي أيضا كيفية استقبال ورؤية المجموعات الخارجية. تستعمل النخب سياسة الهوية أيضا لدفع فكرة كون الفلسطينيين هم “أإيار” أو “آخرون، ” وجعلهم كبش فداء هين لعدم الاستقرار السياسي و أداة للتحريض للمخاوف الطائفية. كيف إذن بدأ هذا الطرح؟
ارتبط التاريخ اللبناني بالنزاع الفلسطينيّ منذ بدايته في 1948. تبدّلت تلك العلاقة للأسوأ باندلاع شرارة الحرب الأهلية اللبنانية في 1975. اجمالا، انقسمت آراء الفصائل الطائفية المتعددة بالبلاد حول النزاع والشعب الفلسطيني نفسه. وبسبب المآسي التي خلقتها الحرب والمظالم التي لم تُحل، لا تزال الكراهية والتمييز ضد الفلسطينيين مستمرة ليومنا هذا. ولا تتوانى وسائل الإعلام (التقليدية) عن تأليب تلك المشاعر، وتكريسها، خاصة مع استمرار اشتباك وتداخل القضية الفلسطينية في السياسة اللبنانية في الوقت الراهن. كثيرًا ما يُنظر للفلسطينيين على أنهم “تهديد” للأمن الداخلي المهلهل في لبنان بسبب العديد من التصريحات المثيرة للخوف التي ترددها النخب السياسية باستمرار، انطلاقا من “سياسات الهوية”. وغالبًا ما يُنظر لوجود الفلسطينيين على أنه مشكلة طائفية تبعث على مزيد من التوترات.
ها هنا تلعب وسائل الإعلام المستقلة دورا حاسما في إعادة تشكيل تناول أخبار الفئات المهمّشة. أفسحت مواقع مثل درج وميغافون مساحة أصوات النشطاء الفلسطينيّين والقانونيين. لنكون اكثر تحديدا: تتوجه ميغافون لمجموعات مثل: النساء، العمّال المهاجرون، اللاجئون الفلسطينيّون، أو بصيغة أخرى: للأصوات التي طالما أهملتها وتجاهلتها النخبة الإعلامية اللبنانية المسيّسة والطائفية: “تتمحور أجندتنا حول الترويج للمساواة في الحقوق، والعدالة الاجتماعية، والحريات المدنية لكلِّ من المواطنين وغير المواطنين في لبنان، والمحاسبية للمسؤولين.” إضافة إلى ذلك، في فبراير شباط 2024، وجّهت عدّة وسائل إعلام رئيسية، بمن فيهم درج، رسالة مفتوحة إلى اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، تدعو إلى حماية الصحفيين وحقهم في دخول غزة للتغطية.
علاوةً على ذلك، توسعت الحرب التي اندلعت في غزة عقب 7 أكتوبر/تشرين أول 2023 لتطال الأراضي اللبنانية، وتصاعدت تلك الحرب بقوة في سبتمبر/أيلول 2024. وأدت لسقوط ما لا يقل عن 3,961 قتيلًا في صفوف الشعب اللبناني وأكثر من 45,000 قتيل في صفوف الفلسطينيين. أغرقت وسائل الإعلام شاشات متابعيها بالتحديثات والتقارير الإخبارية المستمرة. ومع ذلك، كان تصوير الضحايا الفلسطينيين واللبنانيين مختلفًا جدًا بحسب كل وسيلة إعلامية وموقفها من الحرب. من الناحية النظرية، تدَّعي كل وسائل الإعلام اللبنانية الاستقلالية والحياد وعدم التحزب لحد ما. لكن الواقع أبعد ما يكون عن ذلك.
في أُطروحتي الأخيرة، حللتُ باستفاضة تغطية ست منصات إعلامية للضحايا الفلسطينيين، فوجدت اختلافا بين التقارير من حيث المواضيع و الاختيارات اللغوية. ومن بين المنصات الأكثر تقدمية ضمن الستة محل الدراسة، جاءت “درج” و”ميغافون نيوز”. ومن ثم، سأستخدم البيانات النصية التي جمعتها سابقًا (حلبي، 2024)، في شكل مقتطفات و/أو عناوين رئيسية، وسأشرح أهمية استعراضها ودراستها.
من الأهداف المعلنة صراحًة للموقعين: نقد هياكل السلطة المهيمنة، ورفض التأطير الطائفي من خلال تركيز تقاريرهما على نهج مدني أو استقصائي. ومن بين المنطلقات الحاسمة التي قررت هاتان الوسيلتان اتخاذها لتغطية أخبار الضحايا الفلسطينيين: الإصرار على “أنسَنة” الضحايا الفلسطينيين بعيدًا عن “سياسات الهوية”، وإعطاء الضحايا والناشطين والكتَّاب صوتًا ، والدعوة الواضحة لتحقيق العدالة المشروعة.
اختيارات لغوية
فلنبدأ باختيار الكلمات، لأن اللغة تحمل في طياتها قوة، وبالتالي فهي ترسخ لسردية ما. لقد أثار استخدام لفظة “إبادة جماعية” جدلًا كبيرًا بين الصحافيين، إذ تشير تلقائيًا لموقف معين – متضامن مع الشعب الفلسطيني. إن استخدام منصة “درَج” لهذه الكلمة في تغطيتها للحرب على غزة ليس من قبيل الصدفة إطلاقا. فقد استخدمت المنصة هذه الكلمة “المحملة بالمعاني” صراحةً في عدة مقالات ، منها:
– “الحركة العالمية تندد بحرب الإبادة الجماعية الصهيونية الجارية في قطاع غزة (وفي الضفة الغربية بوتيرة أقل)”
– ” إنكار وجود فلسطين… الحكومة الإسرائيلية تبرر الإبادة”
– “منذ أكثر من عام بقليل، كانت إسرائيل تنتقم من الهجوم الذي نفذته “حماس” في السابع من أكتوبر. الإبادة الجماعية في غزة وتدمير لبنان يؤكدان تفوقها العسكري ويضعان حداً لأسطورة جيشها الأخلاقي. ولكن هل جعلت حياة أي إسرائيلي أكثر أماناً؟
يعلنها درَج صراحة أن اختياره للكلمات مقصودًا، حيث يصور الحرب على أنها محاولة منهجية لاستئصال الوجود الفلسطيني. ومن خلال وضع المعاناة الفلسطينية ضمن إطار أوسع من القهر والاضطهاد، تضفي هذه المقاربة طابعًا إنسانيًا على الشعب الفلسطيني وتؤكد فاعلية نضالهم.
وبالمثل، لا تترد منصة “ميغافون” في استخدام الكلمة نفسها في تغطيتها للحرب على غزّة، مما يجعل موقفها واضحًا. وبتأطير الحرب بهذه المفردات، تضع “ميغافون” نفسها في مواجهة مباشرة مع السرديات السائدة التي تحاول إخفاء أو التقليل من الأحداث التي تجري و/أو معاناة الفلسطينيين. وتربط المنصة مباشرةً الأفعال الإسرائيلية بالإبادة الجماعية، كما يظهر في عناوينها التالية:
- «موسم الرياض» والتطبيع والإبادة
- – “أينما توجد إسرائيل، توجد إبادة
- بعد سنة من الإبادة الإسرائيلية المستمرّة، شهدت مدن العالم مظاهرات واسعة، من نيويورك إلى القاهرة.
- “عن موقف الحزب الديموقراطي الأمريكي : ” ثمن العرض هذا التماسك كان يسكت الأصوات التي تعارض الإبادة الجماعية في غزة، التي حاولت بكل الوسائل أن تخترق المؤتمر “
وعلى العكس من أجهزة الإعلام السائدة اللبنانية، التي تعدّل اختياراتها اللغوية في أغلب الأحيان اعتمادا على التأثير الطائفي، فإن استعمال هذه الوسائل المباشر للفظة “الإبادة الجماعية” يعكس رفضا للحياد. يتحدى الموقف القوي الذي اتخذه الموقعان محاولات حثيثة لـ “تعقيم الحرب”، وبهذا تعيد فرض نظرة واضحة للصحافة تتمحور حول النشاط والموقف السياسي.
المواضيع والتيمات
علاوة على ذلك، “تكتيك” أخر يستحق الإشارة، يتعلّق بالمواضيع المختارة للتغطية من هذه الوسائل. بدلا من تقديم الحقائق المطلقة والمعلومات المؤكدة فقط، مثل حصيلة الوفيات، ركّزت المنصتان أيضا على الحياة اليومية وتجارب المدنيين الفلسطينين. وعبر هذه القصص يبرز ملمح مميز لهذه المنصات، وهو التزامهم بإعلاء الأصوات المهمشة و المهمَلة. من الحرب. خلال هذه القصص، تتضح ميزّة رئيسية وسائل الإعلام البديلة وهي التزامهم بإبراز أصوات المهمَّشين. أنهم يعطون الصوت للضحايا والنشطاء الفلسطينيّين الذين يعارضون هياكل القوّة الطائفية، والذي، في كثير الأحيان، تتجاهله أجهزة الإعلام العامة. قاتل درج وميغافون الميل أيضا لتصوير الفلسطينيين كضحايا عاجزين بإبراز نضالهم عبر حسابات التواصل الاجتماعي.
تبرز نظرة “ميغافون” صمود ومرونة الفلسطينيين اليومية بتصويرهم كأناس يتغلّبون على المحن، بينما يحافظون على عناصر حياتهم اليومية. وفيما أبعد من النزاع “المسلّح”، تصور المقاومة من خلال أعمال التحدي والنشاط الإعلامي. يؤكّد هذا المنظور تجارب فردية وأسماء ووجوه، ويبرز تعاطفا ويرفض تحويلهم إلى أعداد مجرّدة. تؤكّد العناوين التالية بالأخص هذا التقارب:
- أبو زكريا يتجول في شوارع #شمال_غزّة ليبيع الفول والترمس، رغم العدوان الإسرائيلي والغلاء وشحّ المواد.
- اعتقلت قوّات الاحتلال الإسرائيلي الناشط على وسائل التواصل الاجتماعي، الفتى #عبّود_بطاح، خلال حملة الاعتقالات التي نفذّها الجنود الإسرائيليون في #مستشفى_كمال_عدوان، في #بيت_لاهيا صباح اليوم. أعاد الاحتلال إطلاق سراح عبّود بعد ساعات على توقيفه، ونشر الأخير على حسابه على «إنستغرام»، رسالة بدقيقة أكد فيها استمراره في تغطية الإبادة.
- “استشهدت الفنّانة التشكيلية الغزّية #محاسن_الخطيب في قصفٍ إسرائيلي طالها في #مخيّم_جباليا. كانت محاسن من الذين صمدوا في شمال #غزّة المحاصر رغم الحملة العسكرية الأخيرة، وقد ظلّت في الشمال منذ بداية الحرب.
- يحاول من بقي من سكّان #مخيم_شاتيلا للاجئين الفلسطينيّين في #بيروت التأقلم مع موجات النزوح وخطر #الحرب.
بالإضافة لذك، وبتبني نظرة أو تقارب تقاطعي يؤكّد منظورات مختلفة من كفاح الضحايا الفلسطينيّين، فإن تغطية درَج للفلسطينيين تهدف تعميق فهم القاريء للنزاع. بمعنى آخر، ينشر الموقع قصصا أكثر عن التأثيرات المختلفة للحرب على حياة الفلسطينيين:
- خلف جدران المعتقل: شهادات مروّعة لمعتقلين سابقين في السجون الإسرائيلية
- سفيان كوارع: حلواني غزّة الذي التهمت جسده شظايا القصف الإسرائيليّ
- التعليم في غزة: صفوف بين الخيام وتجارب في الواقع الافتراضي
- أرزاق الغزيين وأعمالهم ضاعت في مهب الحرب
- الإجهاض في غزة… أجيال تُقتل في أرحام الأمهات
وباختصار، يتطلب التغيير الهيكلي عملاً من القاعدة إلى القمة. فالمنصات الإعلامية لا تعكس الخطاب فحسب؛ بل تشكّله وتحافظ عليه بشكل فعال، وتؤثر على الإدراك العام والمشاركة المدنية على حد سواء. ومن خلال تشجيع الخطاب المضاد للهيمنة، تلعب وسائل الإعلام البديلة مثل ميغافون و”درج” دورًا محوريًا في الحركات الاجتماعية. فهي تعطي صوتًا ممن جرى تهميشهم بفعل النظام الطائفي، وتتحدى في نهاية المطاف هيمنة الهويات الطائفية، وبالتالي تحول النشاط الرقمي إلى تغيير سياسي ملموس. ومن أبرز الأمثلة على ذلك تأثير هذه المنافذ على الشباب الذين أصبحوا أكثر انخراطًا في الخطاب النقدي والتعبئة السياسية. ومن خلال استعادة الفضاء المدني ومعارضة سيطرة النخبة على السرد، ترسي هذه المنصات بالفعل الأساس لمجتمع أكثر استيعابا وانخراطاً سياسياً.
لقد حان الوقت لتحرير الشعب اللبناني من أغلال الطائفية السياسية وسياسات الهوية.
Bibliography
Barakat, A. (2020). The Images of Syrian Refugees in the Mainstream Narrative: A Case Study of Lebanon. Syria Studies,12(1), 203-229.
Halabi, N. (2024). Sectarianism as internal ‘Othering’: Orientalism and Lebanese media’s depiction of the war on Gaza (Master’s thesis). Vrije Universiteit Brussel.
Makdisi, U. (2019). Sectarianism and Antisectarianism in the Post-Ottoman Arab world. In Age of coexistence : the ecumenical frame and the making of the modern Arab world (pp. 127–162). essay, University of California Press.
Táíwò, O. O. (2022). Elite capture: How the powerful took over identity politics (and everything else). Haymarket Books.
References (Articles)
Ali, M. (2025, January 28). How many people has Israel killed in Lebanon since the ceasefire?. Al Jazeera.
Azhari, T. (2019, December 8). Megaphone: The voice of Lebanon’s uprising. Al Jazeera.
Civil Society and Social Movements in the Euro. (n.d.-b).
Ibrahim, A. (2021, January 30). Responding to “funding” accusations: Daraj does not hide its partners’ identity. Daraj.
Lebanon: New coalition to defend free speech. Human Rights Watch. (2020, October 28).
McGoey, S., & Fitzgibbon, W. (2021, December 1). Pandora papers reporting from the Middle East and North Africa – ICIJ. International Consortium of Investigative Journalists.
Mégaphone: An alternative Lebanese media outlet at the heart of the 2019 revolution. CFI. (2025, March 6).
News Outlets Express Solidarity with journalists in Gaza. Committee to Protect Journalists. (2024, March 21).
(2024, December 16). Death toll from Israel’s war on Gaza surpasses 45,000. Al Jazeera.
Daraj
Achcar, G. (2024, May 6). Under the pretext of antisemitism, the suppression of the Palestinian people is accompanied by an attempt to suppress the defense of their cause. Daraj Media.
Denying Palestine’s existence: How the Israeli government justifies genocide. Daraj. (2024, November 19).
From behind bars: Horrifying testimonies from ex-detainees in Israeli prisons. Daraj. (2024, August 21).
Gaza’s miscarriages: Generations are killed in Mothers’ wombs. Daraj. (2024, September 23).
Ibrahim, A. (2024, November 5). Fifty shades of death & hope in Lebanon. Daraj Media.
Sufyan Kawarea: Israeli raid kills Gazan Sweets Maker. Daraj. (2024, July 19).
The livelihoods of Gazans and their work lost in the wake of war. Daraj. (2024h, June 25).
Megaphone
Megaphone News [@megaphonenews]. (2024, October 19). The remaining residents of the #Shatila Palestinian refugee camp in #Beirut try to adapt to the waves of displacement [Reel]. Instagram.
Megaphone News [@megaphonenews]. (2024, October 20). Gazan visual artist Mahasen al-Khateeb was killed in an Israeli airstrike in the #Jabalia camp on Friday. She was one of the [Reel]. Instagram.
Megaphone News [@megaphonenews]. (2024, October 25). The Israeli occupation forces arrested the social media activist #AbboudBattah, as they raided the Kamal Adwan Hospital, in [Reel]. Instagram.
Megaphone News [@megaphonenews]. (2024, October 26). Abu Zakaria roams the streets of northern #Gaza selling fava and lupin beans, despite the Israeli aggression, high prices and [Reel]. Instagram.
October (2024, Megaphone. .أﯾﻨﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ إﺳﺮاﺋﯿﻞ، ﺗﻮﺟﺪ إﺑﺎدة
Megaphone. .ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺮﯾﺎض” واﻟﺘﻄﺒﯿﻊ واﻹﺑﺎدة“ 15). October ,ﻣﺤﻤﻮد وﻓﯿﻖ. 2024)
Megaphone. .اﻹﺑﺎدة ﺧﺎرج اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ 24). August ,ﻣﺤﻤﻮد وﻓﯿﻖ. 2024)
October (2024 Megaphone. .ﺗﻈﺎھﺮات ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔٍ ﻣﻦ اﻹﺑﺎدة