Search
Close this search box.
Photo credit: Fatma Badri

المرأة التونسية والتجمع السلمي: مسيرة نضال متواصلة في مواجهة القمع بعد 25 جويلية/تموز 2021

منذ اندلاع الثورة كانت المرأة التونسية في الصفوف الأولى لكل المسيرات منذ أيامها الأولى حتى إعلان سقوط بن علي، وبعد الثورة زاد حضورها في مختلف التحركات والاحتجاجات السملية التي تم تنظيمها من أجل مطالب اجتماعية، وسياسية وحقوقية وغيرها. وجعلها هذا الحضور الكبير عرضة للعنف البوليسي من جهة ولحملات تشويه وتهديدات على مواقع التواصل الاجتماعي والتي كانت تطال بشكل خاص الناشطات الحقوقيات والنسويات اللاتي بتن معروفات بالحضور الدائم في كل المسيرات. ولكن هذه الممارسات لم تدفع المرأة التونسية للتراجع لا سيما وأن صمودها مكنها من الحصول على بعض المكاسب الجديدة إلى جانب تلك التي تتمتع بها منذ الاستقلال.

فمنذ ثورة الـ 14 من يناير/كانون الثاني تم تحقيق جملة من الإنجازات التي كانت ثمارا لنضالات الحركة النسوية التونسية على مدار سنوات طويلة وخاصة خلال العشرة سنوات تلت الثورة التي سعت فيها النسويات التونسيات لتحقيق المساواة التامة والفعلية. وكان من بين هذه الانجازات إدراج مبدأ التناصف في القانون الانتخابي مما جعل نسبة تمثيلية النساء في البرلمان سنة 2014 ترتفع لتبلغ 73 نائبة بمعدل 31 بالمئة ما يعادل ثلث عدد النواب الإجمالي، وهي النسبة الأعلى عربيا حينها. لم تأت هذه الإنجازات كمكتسب تلقائي للثورة انما “ تراكمات نضالية، لعبت فيها النساء دوراً هاماً “. فلقد قامت المرأة التونسية بالنضال من أجل هذه المكتسبات ولم يكن هذا بالأمر السهل حيث كأن عليها مواجهة المجتمع التقليدي مثلا وأيضا السلطات البطريركية.

وفي أبريل/نيسان قامت الدولة التونسية برفع كل تحفظاتها على اتفاقية سيداو (CEDAW) لتكون بذلك أول دولة عربية تخطو هذه الخطوة. لكنها أبقت على الإعلان العام المتصل بالاتفاقية الذي أكد أن تونس لن تتخذ أي قرار تنظيمي أو تشريعي من شأنه أن يخالف الفصل الأول من الدستور التونسي الذي ينص على أن دين الدولة التونسية هو الإسلام.

واتفاقية سيداو هي معاهدة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، تهدف للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

وفي أغسطس/ 2017 تم إصدار القانون عدد 58 لسنة 2017 والذي يتعلق بالقضاء على العنف ضد النساء والأطفال بأغلبية برلمانية ودخل حيز التنفيذ في فبراير/شباط 2018. يعتبر هذا القانون قانونا رائدا ويرتقي إلى مستوى النصوص التشريعية التي تستوفي المعايير الدولية في مكافحة ظاهرة التمييز والعنف المسلط على المرأة. لكن هنالك صعوبة واضحة في تطبيقه ومازال العنف ضد المرأة موجودا في المجتمع التونسي.

وفي سبتمبر/أيلول أسقط الرئيس الأسبق الراحل الباجي قائد السبسي كل النصوص المتعلقة بمنع زواج التونسية بغير المسلم ألغيت في أيلول 2017 وتحديدا منشور 1973 وكل النصوص المشابهة له. لكن هذا القرار لديه الإشكاليات القانونية وربما المجتمعية أيضا. هنالك حسب المفكرة القانونية لم يخلو من صعوبات قانونية وهنالك الكثير من البلديات التي فازت فيها حركة النهضة مثلا رفضت تطبيق القانون وهكذا اضطرت المرأة للانتقال لبلدية أخرى.

ولكن بعد الـ25 من يوليو/تموز 2022 تاريخ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد الإجراءات الاستثنائية التي أدت لتجميد البرلمان وحله بعد شهر وإقالة الحكومة، تغير وضع المرأة كما تغير واقع الحقوق والحريات عموما في البلاد. إذ تم تغيير القانون الانتخابي من الانتخاب على القائمات إلى الانتخاب على الأفراد وأسقط مبدأ التناصف الذي أدى لتراجع تمثيلية المرأة في البرلمان حيث لم تنجح سوى 25 امرأة في دخول البرلمان بمعدل 16 بالمئة وهي نسبة لم تسجل لا فقط منذ الثورة، بل حتى في فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. ورغم تنصيص دستور 2022 على ضمان تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة في الفصل 39، ومن ثم التأكيد على مبدأ التناصف في الفصل 51، إلا أن تنقيح القانون الانتخابي في الـ15 من سبتمبر/أيلول 2022 جاء متناقضا مع ذلك، وبالتالي إفراغ هذه الفصول الدستورية من أي قيمة عملية. وأصبحت المرأة تشهد الكثير من التضييقات بسبب أنشطتها الحقوقية والسياسية والإعلامية طالت حتى حقها في التظاهر السلمي والاحتجاج على جملة من القضايا وخاصة تلك التي تصدر عن السلطة. وتكررت مشاهد العنف البوليسي المسلط على المحتجيين والمحتجات بصفة خاصة في عدة مناسبات في مختلف المسيرات السلمية والحركات الاحتجاجية. حيث شهدت هذه التحركات جملة من الانتهاكات مثل الضرب والاستعمال المكثف للغاز المسيل للدموع والرش بخراطيم المياه. كما وجدت العديد من الناشطات أنفسهن رهن تتبعات القضائية تلاحقهن فقط لمجرد مشاركتهن في هذه المسيرات.

حدثت هذه الانتهاكات رغم وجود عدة نصوص قانونية تكفل الحق التجمع السلمي على غرار المادة عدد 20 فقرة 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص على أنه ”لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية”. بالإضافة إلى المادة عدد 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي جاء فيها “يكون الحق في التجمع السلمي معترفا ‏به. ولا يجوز أن توضع القيود على ‏ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل ‏تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي، أو ‏السلامة العامة، أو النظام العام، أو ‏حماية الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم”. كما نص الدستور التونسي في الفصل عدد 42 منه على أن “حرية الاجتماع والتظاهر السلميين مضمونة”.

ولا تتوقف التضييقات التي تواجهها الناشطات التونسيات بسبب المشاركة في التحركات الاحتجاجية، عند قمع السلطة، بل إنها عرضة أيضا لضغط المجتمع، خاصة في المدن الداخلية، الذي مازال لا يتقبل مزاحمة المرأة للرجل في الصفوف الأولى للمسيرات أو قيادتها.

Photo credit: Fatma Badri

احتجاج منطقة الرويعي من أجل الحق في الماء

في الـ11 من يونيو/حزيران 2024 شاركت الناشطة البيئية رانية مشرقي في احتجاج نسوي سلمي أقيم في منطقة الرويعي بمعتمدية عين دراهم من محافظة جندوبة، من أجل المطالبة بالحق في الماء الصالح للشرب، حيث يعاني السكان هناك مشقة التنقل إلى المناطق الحدودية من أجل التزود بمياه الشرب. لكن هذه الخطوة (المشاركة في الاحتجاجات) المكفولة قانونيا وضعت المشرقي أمام تتبعات قضائية. إذ تلقت الناشطة في الـ 20 من يونيو/حزيران 2024 استدعاء رسميا للمثول أمام فرقة الأبحاث بطبرقة من أجل استنطاقها. وواجهت تهما بتكوين وفاق بنية الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة والتحريض على الفوضى، إثر شكاية تقدم بها معتمد طبرقة ضدها.

وعند التحقيق معها بحضور محامي تم سؤالها عن سبب تواجدها في الاحتجاج وإذا كانت مدعومة من قبل منظمات أو جمعيات وما الهدف من الاحتجاج. وإثر انتهاء التحقيق معها وبعد استشارة النيابة العمومية تقرر الإبقاء عليها بحالة سراح.

وأزمة المياه في منطقة الرويعي بمعتمدية ليست جديد وينفذ الأهالي وخاصة النساء منذ سنوات احتجاجات للمطالبة بتمكينهم من الماء الصالح للشراب الذي انقطع عنهم منذ سنة 2011، وعاد إليهم وفي سنة 2020 على إثر جائحة كوفيد 19. وسمح لهم حينها باستعمال المياه مجانا حسب ما وعدهم به معتمد الجهة بعد سلسلة من التحركات الاحتجاجية التي نفذتها نساء المنطقة. ولكن وبعد مرور سنتين فوجئ أهالي الجهة بإعادة غلق المياه ومطالبتهم باستخلاص معاليم الاستهلاك المقدرة بـ 24 ألف دينار تونسي. ويتم قطع المياه عن هذه المنطقة رغم تواجدها على بعد أمتار من سد البربر الذي يعد من أكبر السدود المخصصة لتجميع الماء الصالح للشراب.

وهذا التعاطي مع الناشطات المدافعات عن الحق في المياه الصالحة للشراب، ومع المحتجين من أجل هذا المطلب، تعتمده السلطة منذ عدة سنوات، وتحديدا منذ أن بدأ أبناء المناطق الداخلية ينتفضون ويحتجون بشكل دائم من أجل هذا الحق. ومع تتالي سنوات الجفاف بفعل التغيير المناخي تفاقمت أزمة المياه في عدة مناطق ومعها تعالت أصوات المحتجين أكثر ضد السلطة من أجل إيجاد حلول. لكن السلطة كانت دائما تعمد لقمع المتظاهرين وقد استمر هذا الوضع بعد الـ25 من يويو/تموز 2022، ولكن مع بعض التغيير في شكل التعاطي. إذ أن عمليات القمع والتتبعات أصبحت تطال أكثر الناشطين في المجتمع المدني الذين يشاركون في هذه الاحتجاجات لأن الرئيس قيس سعيد يرى أن النشطاء متآمرون ويؤججون الأوضاع خدمة لأجندات أجنبية وبالتالي وجودهم في الاحتجاجات يستحق القمع والتتبعات العدلية. من جهة أخرى لا يرغب قيس سعيد في الاعتراف بأن التغييرات المناخية قد خلقت أزمة مياه في تونس وبدل الذهاب لإيجاد حلول قصيرة وطويلة الأمد يواصل استدعاء نظرية المؤامرة وتكرار خطابات تتهم أشخاصا لا يسميهم تتعمد خلق هذه الأزمة. وبالتالي فإن الاحتجاجات في ظل هذا التصور تصب في خانة المؤامرة أيضا رغم أن هناك أزمة ماء حقيقية في تونس وغم معاناة عدة مناطق بالبلاد التونسية من نقص المياه خاصة في فصل الصيف مع الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة.

 

منع رئيسة حزب من التظاهر

في الـ14 من يناير/كانون الثاني 2023 تم منع رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي وأنصار حزبها من التوجه نحو قرطاج أين كان من المزمع تنفيذ مسيرة في اتجاه القصر الرئاسي. إذ تم حرمانهم من حقهم في التنقل عبر وسائل النقل العمومي إلى قرطاج، وذلك بإيقاف حركة القطارات التي تربط وسط العاصمة بقرطاج وبالتالي منعهم من الذهاب إلى وجهتهم. وأعلنت حينها عبير موسي عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك تواجدا أمنيا مكثفا على مستوى محطة القطار لمنع المتظاهرين من الركوب، فضلا عن منع متظاهرين قادمين من محافظات أخرى من الوصول إلى تونس العاصمة لدعم مسيرتها.

وفي الثالث أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أودعت عبير موسي السجن بتهمة ارتكاب “الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي”، بسبب توجهها لقصر الرئاسة في قرطاج لتسليم رسالة احتجاج للرئاسة. كما تواجه تهم “الإساءة إلى موظف عمومي ونشر أخبار زائفة لا أساس لها من الصحة” بسبب انتقادها هيئة الانتخابات.

ورفضت السلطة في تونس في الـ17 من ديسمبر/كانون الأول 2023 تمكين حزبها من تنظيم وقفة تضامنية مع رئيسته ومرشحته للإنتخابات الرئاسية أمام مركز إحتجازها القسري بسجن النساء بمحافظة منوبة.

وفي الحقيقة لا يبدو منع عبير موسي في مرحلة أولى من الاحتجاج وسجنها في مرحلة ثانية مفاجئا. إذ عمد الرئيس قيس سعيد منذ أن استأثر بالحكم لإقصاء معارضيه ومنافسيه عبر الزج بالكثير منهم في السجن من أجل قضايا مختلفة. وعبير موسي هي أبرز منافس لسعيد على منصب رئاسة الجمهورية، وبالتالي لم يكن بوسعه السماح لها بالبقاء حرة لا سيما وأنها من الشخصيات السياسية النشطة جدا ميدانيا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ولا تتردد في فضح كل التجاوزات وانتهاكات رجال السلطة بما في ذلك قيس سعيد. كما أن لها قاعدة شعبية كبيرة. ومن غير المنتظر أن يتم الإفراج عنها قريبا رغم إعلان حزبها ترشيحها للانتخابات الرئاسية القادمة، لأن خروجها الآن يعني الاستعداد جيدا للانتخابات والقيام بحملة انتخابية هامة ستزاحم حتما سعيد الذي يريد الطريق معبدا لمواصلة تقلد منصب الرئاسة.

 

قمع الحقوقيات من أجل التظاهر

في الـ22 من يوليو/تموز 2022 شاركت الناشطة النسوية ورئيسة جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات أسرار بن جويرة في إحدى الوقفات الاحتجاجية التي تم تنظيمها ضد الاستفتاء الذي جرى في الـ25 من يوليو/تموز 2022. ورفعت لافتة كتب عليها “الإسم قيس سعيد والمهنة عبد الفتاح السيسي”، لتجد نفسها تواجه ستة دعاوي قضائية ضدها منها “هضم جانب موظف عمومي” و”العصيان المدني”، كمـا تعرضت إلى حملة تشويه ومضايقات إلكترونية وتهديدات عديدة. من الواضح أن التعرض لأسرار بن جويرة واتخاذ الإجراءات القضائية ضدها هو محاولة من السلطات التونسية إثناء المرأة التونسية عن المشاركة في النشاطات الحقوقية أو السياسية.

في الـ 22 من يوليو/تموز 2022 شاركت الناشطة الحقوقية شيماء الجبالي في مظاهرة سلمية للاحتجاج على مسار الاستفتاء الذي نظمه قيس سعيد ومشروع الدستور الذي تمخض عنه. خلال هذه المظاهرة تم الاعتداء على المحتجين من طرف البوليس وكانت شيماء من بينهم. إذ تعرضت للضرب من قبل قوات الشرطة وأدى الإطلاق الكثيف للغاز المسيل للدموع لتدهور حالتها الصحية بسبب اختناقها بالغاز. تعمد السلطات التونسية على استهداف الناشطات اللواتي يقمن بنشاط مستمر إما عن طريق الاستهداف عبر مواليه على وسائل التواصل الاجتماعي أو باستخدام العنف المفرط كما حصل مع شيماء وغيرها من الناشطات. وبذلك تتعرض الناشطات لضغط مجتمعي بالإضافة إلى العنف السلطوي.

ويذكر أنه في الـ 22 من يوليو/تموز 2022، انتظمت وقفة احتجاجية أمام المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة، بدعوة من الائتلاف المدني من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة (مجموعة من جمعيات ومنظمات المجتمع المدني التونسي)، رفضًا لمشروع الدستور ولمسار الاستفتاء الذي جرى تنظيمه في الـ 25 من يوليو/تموز 2022. وشارك فيها عدد كبير من الناشطات والناشطين، والسياسيين والسياسيات. ولكنها القوات الأمنية المرتكزة على عين المكان بشارع الحبيب بورقيبة عمدت إلى استعمال الغاز المسيل للدموع من أجل تفريق المتظاهرين، كما قامت بعدد من الإيقافات في صفوف المتظاهرين والاعتداء على المحتجين/ات والصحفيين/ات الذين حضروا لتغطية الوقفة الاحتجاجية. وحسب الناشطة منال أ، “قام أفراد الأمن باستخدام العنف وطلبوا من جميعنا، متظاهرين ومتظاهرات مغادرة المكان وقاموا بتهديدنا”.

والاعتداء على الناشطات وملاحقتهن أمنيا وقضائيا بدوره أمر دأب عليه ساسة البلاد خاصة بعد الثورة ومع اتساع دائرة نشاطهن. ولكن مع قيس سعيد تفاقم الوضع وأصبح بمثابة الحملة الممنهجة التي تطال كل الناشطات والناشطين الحقوقيين بذريعة خدمة أجندات أجنبية. ولهذا كانت البداية عبر إطلاق خطابات تشيطنهم وتصورهم كمتآمرين على البلاد والساعين لإثارة الفتن ثم كانت الخطوة الثانية استهدافهم في الاحتجاجات وحتى من أجل نشاطهن/م. وهذا الوضع ينطبق على الكثيرات لعل أبرزهن الناشطة سعدية مصباح التي تقبع في السجن بعد أن تم تلفيق تهم كيدية لها فقط بسبب نشاطها في مكافحة العنصرية في تونس. ويأتي هذا التوجه من السلطة أساسا من أجل التغطية على تعاطيها المرتبك مع ملف المهاجرين. وهذا التعاطي تمارسه السلطة مع عدة ناشطات أخريات أيضا تقبع بعضهن في السجون وذلك من أجل دفعهن على الصمت والتراجع.

Photo credit: Fatma Badri

ناشطة بيئية بين قمع السلطة وضغط المجتمع

منال بن غرفية ناشطة بيئية من محافظة صفاقس وهي إحدى أعضاء حراك “مانيش مصب” (لست مصبا)، دأبت منذ سنة 2018 على التظاهر في الصفوف الأمامية من أجل حق أبناء مدينتها في بيئة سليمة وغلق المصب الذي بات يهدد صحة الأهالي. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021 شاركت كعادتها في وقفات احتجاجية استمرت لأربعة أيام متتالية بدء من التاسع من نفس الشهر من أجل الضغط على السلطة لغلق المصب. لكنها فوجئت وبقية المتجين/ات بالشرطة وهي تواجههم باستعمال العنف المفرط وإطلاق مكثف للغاز المسيل للدموع لإجبارهم على التراجع. وقد توفي شاب في هذا اليوم وأعيد فتح مكب النفايات وحرمانهم حقهم في هواء نقي ثم أغلق فيما بعد.

ولم تتوقف المضايقات التي عاشتها منال عند عناصر الشرطة، بل وجدت نفسها أيضا تواجه الانتقادات من أبناء مدينتها الصغيرة الذين لم يتقبلوا أن تشاركهم النساء الاحتجاجات بل وتكون في الصفوف الأولى. كما تعرضت للتشويه والتهديدات من قبل المشرفين على المصب والعاملين فيه. وجراء هذه التضييقات انسحبت ثلاث نساء من مجموع خمس نساء كن إلى جانب منال في التحركات التي تنفذ في مدينتها بسبب تعرضهن للعنف المادي واللفظي وعدم قدرتهن على الالتزام بالمشاركة في المسيرات السلمية والاجتماعات. بل إنه وبعد تتالي الاحتجاجات ضد إعادة فتح المصب، طلب الرئيس التونسي قيس سعيد، لقاء بعض النشطاء وتم إرسال قائمة من القصر الرئاسي تضمنت اسمها واسم رجلين من الحراك. لكنها فوجئت برفض الأهالي تمكينها من الذهاب ضمن الوفد للقاء الرئيس معتبرين أن هذه المهام حكرا على الرجل. لكن رغم التضييقات مازالت منال تصر على خوض نضالاتها من أجل حقها وحق أبنائها في بيئة سليمة وقد نجحت رفقة الناشطين في مدينتها في إجبار السلطة على غلق المصب.

ويقع مصب القنة للفضلات على بعد كيلومترين من مدينة عقارب من محافظة صفاقس، لكن الغازات التي كانت تنبعث من أكثر من 600 طن من الفضلات يوميا، تجاوزت تلك المسافة وأنهكت سكان المدينة الذين وجدوا أنفسهم مجبرون على غلق أبوابهم ونوافذهم طيلة السنة ويعانون أمراضا تنفسية وباطنية وكذلك حالات سرطانية ومشاكل انجابية وتشوهات خلقية. في أكتوبر/تشرين الأول من سنة 2018، أصدرت الوكالة الوطنية لحماية المحيط تقريرا عقب حملة لقياس جودة الهواء بمدينة عقارب أثبت أن “التلوث الجوي في محيط معتمدية عقارب مرتفع خاصة بالنسبة للغبار ولسولفيت الهيدروجين”. وأرجع التقرير هذا التلوث إلى مصب القنة وبعض المصانع الناشطة في المدينة. ومنذ ذلك الحين، خاض سكان المدينة، من بينهم منال بن غرفية، تحركات احتجاجية متتالية وتواجهوا مرارا مع قوات الأمن حتى أجبروا السلطة على إغلاقه بعد احتجاجات نوفمبر/تشرين الثاني 2021 التي شهدت مواجهات عنيفة مع قوات الأمن وأدت لوفاة شاب اختناقا بالغاز المسيل للدموع الذي أطلقته الشرطة بكثافة ضد المحتجين/ات.

إن الرئيس التونسي قيس سعيد منذ توليه الحكم عمد أولا لتغيير نظام الحكم ليكون رئاسيا مع دور هامشي للبرلمان، أي أنه منذ البداية قام بتعبيد الطريق لحكم الرجل الواحد. ولهذا فإن الملاحقات القضائية الاعتداءات التي تطال الناشطات والداعين عن الحقوق عموما والمعارضات والمعارضين كان أمرا مرتقبا لا سيما وأن العشر سنوات التي سبقت حكمه أثبت المجتمع المدني في تونس نجاعته. حيث أثبتت الناشطات التونسيات قدرتهن على إحداث التغيير والضغط على السلطة في مناسبات عديدة بدء من محاولات حركة النهضة تعديل مجلة الأحوال الشخصية في بداية سنة 2012 والتي تصدت لها خاصة الناشطات والنسويات ونجحن في منع حدوثه. وصولا إلى الضغط من أجل إقرار قوانين هامة لصالح المرأة في سنتي 2017 و2018. ولا شك أن قيس سعيد كغيره من التونسيين يدرك هذه الحقيقة، وبالتالي فإن السبيل الوحيد لنجاح مشروعه هو إما تحييدهن أو إقصائهن بأساليب مختلفة سواء عبر التشويه أو التضييق أو الاعتداء، وهو ما يجري فعلا.

 

الخاتمة

إن ما تشهده الناشطات في تونس من تضييقات وانتهاكات سواء من السلطة أو من المجتمع بسبب مشاركتهن في التحركات الاحتجاجية هي امتداد لسلسلة من الانتهاكات المماثلة التي عشن على وقعها منذ ثورة الـ 14 من يناير/كانون الثاني 2011 حتى اليوم. حيث دأب الماسكون بزمام السلطة على اختلاف انتماءاتهم السياسية على ممارسة ضروب مختلفة من القمع وأعمال العنف والملاحقات الأمنية والقضائية ضدهن رغم تتالي التأكيدات الرسمية على احترام الحق في التجمع السلمي الذي تكفله عدة قوانين بما فيها الدستور. وكان الرئيس قيس سعيد الذي انفرد بالحكم منذ الـ 25 من يوليو/تموز، آخر الساسة الذين صرحوا في أكثر من مناسبة أن الحق في التجمع أمر مكفول بالقانون وشدد على ضرورة احترام هذا الحق. لكن على مستوى الممارسة تسقط هذه الشعارات وتتصاعد وتيرة التضييقات والانتهاكات ضد كل الأصوات التي تمارس حقها في الاحتجاج ولا سيما النساء بهدف دفعهن على التراجع لا سيما وأن السنوات التي تلت الثورة كان العنصر النسائي التونسي وخاصة الناشطات الحقوقيات والنسويات حاضرات بقوة في كل التحركات الاحتجاجية ضد السلطة والتي أدت في الكثير من المناسبات لتحقيق أهدافها. أيضا هنالك سبب مهم وهو أن للنساء التونسيات قدرة على الاستمرارية في النضال السلمي بسبب التاريخ الطويل للمرأة التونسية في تبوأ مناصب قيادية في المجتمع المدني وقدرة على التأثير وهذا ما يمكنه أن يؤثر أيضا في حث الرجال على المشاركة في الاحتجاجات او النشاطات الهادفة إلى تغيير الحالة الراهنة وهو ما يخشاه قيس سعيد الذي يحاول منذ تفرده بالحكم إسكات الأصوات المعارضة لسياسته.

Facebook
Twitter
Email
Print

Facebook

Twitter