نسج الأصوات الجماعية: تأثير التقاطعية في تشكيل الاحتجاجات السلمية

 المقدمة

قد يكون الرابط بين التقاطعية والحق في حرية التجمع السلمي أقوى مما تظن. العلاقة بينهما تشكل كيفية تعبيرنا الجماعي عن أنفسنا وكيف تُسمع أصواتنا في الأماكن العامة. أُشبه ذلك بنسيج دقيق ومعقد، يشبه ذلك الذي تراه في المتاحف. فكل خيط يمثل جزءاً من هوية شخص ما؛ جنسه وعرقه وطبقته الاجتماعية. عندما تتقاطع هذه الخيوط وتتشابك، تكون التقاطعية في حالة فعل. إنها عملية معقدة وجميلة وأحياناً فوضوية، مثل الحياة الحقيقية. تخيل الآن أنك تفرد هذا النسيج في وسط ساحة بلدة مزدحمة. ماذا يعني هذا الفعل؟ إنه الحق في التجمع السلمي. إنه يهدف إلى إظهار هذه التقاطعات، وإثارة النقاشات، وجمع الناس حول تجارب ونضالات مشتركة.

 

هل تذكر مسيرة النساء في عام 2017؟

كانت المسيرة نموذجا مثالياً لهذا النسيج في التطبيق. ففي 21 من شهر يناير عام 2017، سار حينها الملايين حول العالم لتسليط الضوء على حقوق المرأة وقضايا اجتماعية أخرى مثل التغير المناخي وحقوق المهاجرين والمساواة العرقية.  مثّل انتخاب الرئيس ترامب، الذي أدلى بعدة تصريحات خلال حملته الانتخابية اعتُبرت واسعة الانتشار بأنها مناهضة للنساء أو مسيئة، الدافع وراء هذه المسيرة. وقد كانت أكبر احتجاج في يوم واحد في تاريخ الولايات المتحدة.

 السياق التاريخي

بينما يتجمع الناس حول نسيج حرية التجمع السلمي، لا يجد الجميع الوصول إليه بسهولة متساوية. فبينما يقترب البعض من هذه الحرية دون عناء، يواجه آخرون عقبات غير مرئية تبرز الفجوة بين الفكرة المثالية العالمية لهذا الحق وتطبيقه الواقعي، والذي يُترجم إلى حواجز غير مرئية وعقبات تقف في طريق الحق في حرية التجمع السلمي والتقاطعية.

تخيل ناشطًا أصم، شغوفًا بقضيته، لكنه يكافح للتفاعل بشكل كامل في غياب الترجمة بلغة الإشارة. تجربته في التجمع تختلف جوهريًا عن أولئك الذين يسمعون كل كلمة ويشاركون بفعالية. أو لتُفكر مليا في مهاجر غير موثق، يتلهف لإضافة صوته إلى الجماعة ولكنه مُقيد بالخوف الحقيقي من العواقب القانونية؛ فحقه في التجمع مشوب بظل التهديد المستمر بالاكتشاف والترحيل (بما في ذلك الترحيلات التعسفية). ثم هناك الوالد أو الوالدة الوحيد، المشتعل برغبة المشاركة ولكنه مقيد في المنزل بسبب المتطلبات العملية لرعاية الأطفال؛ فغيابه عن التجمع ليس اختيارًا بل انعكاسًا للهياكل المجتمعية التي غالبًا ما تتجاهل احتياجات مقدمي الرعاية.

هذه ليست مجرد أمثلة منفصلة، بل نوافذ على الشبكة المعقدة من الانحيازات النظامية والأحكام المجتمعية والقيود الجسدية التي تخلق حواجز غير مرئية أمام المشاركة. كل مزيج فريد من هويات الشخص – عرقه، جنسه، طبقته، قدرته البدنية، وغير ذلك – يشكل تجربته في هذا الحق الأساسي.

عند النظر إلى نسيج الحق في حرية التجمع السلمي من خلال هذه العدسات التقاطعية، يتكشف أمامنا صورة أكثر دقة. فالأمر لا يتعلق فقط بحق التجمع، بل بمن يمكنه ممارسة هذا الحق فعلياً دون خوف، ودون حواجز وبالمشاركة الكاملة. هذا الفهم يحثنا على التفكير بعمق حول ماهية الحرية الحقيقية للتجمع وكيف يمكننا العمل على تحقيقها للجميع، ليس فقط في النظرية، بل في الواقع العملي أيضاً.

عندما يجتمع أشخاص من خلفيات متنوعة لممارسة حقهم في التجمع السلمي، فإن صوتهم الجماعي يصبح أكثر قوة وتأثيراً. تخيل مشهداً في بيروت، حيث يقف ناشطون لبنانيون جنباً إلى جنب مع عاملات منازل مهاجرات من بلدان مختلفة مثل إثيوبيا، بنغلاديش، الفلبين، سريلانكا، نيجيريا، كينيا، وغيرها. ما هو هدفهم المشترك؟ المطالبة بإلغاء أو إصلاح نظام الكفالة، أي تحسين ظروف العمل وضمان الحقوق الإنسانية الأساسية. إن اجتماع هذه الأصوات وتضخيمها في هذا التجمع يعزز من أثره، مما يجعل من الصعب على السلطات تجاهله. لكن في الواقع، وفي حالة لبنان، يبدو أن السلطات غير مكترثة بهذا الانتهاك الإنساني الجسيم. تخيل طالب لبناني شاب يحمل لافتة كتب عليها “العدالة لماري الكينية” في ذكرى عاملة منزل توفيت في ظروف مريبة. بجانبه، تقف عاملة فلبينية تطالب بأجر عادل وحقها في الاحتفاظ بجواز سفرها. تتحد أصواتهم معاً، لتردد أصداءها في الشوارع، مما يجعل تجاهلها أمراً مستحيلاً، حتى وإن كانت الحكومة لا تزال تعارض هذه الجهود.

يمكن لهذا التضخيم أن يؤدي إلى تحالفات أوسع وطلبات سياسية أكثر شمولاً. ما بدأ كتظاهرة لحقوق العمال المهاجرين أصبح الآن يشمل قضايا المساواة بين الجنسين، وتنظيم العمل، والتمييز الهيكلي. يتواصل ناشط لبناني في حقوق العمال مع عاملة منزلية سودانية، وكلاهما يدرك أن تحدياتهم مترابطة. هذا يحول طبيعة التجمع السلمي من حدث يركز على قضية واحدة إلى حركة متعددة الأبعاد من أجل التغيير الهيكلي.

يزداد الحشد مع انضمام منظمات حقوق المرأة المحلية التي تعترف بأن نظام الكفالة لا يستغل العمال المهاجرين فحسب، بل يعزز أيضاً التفاوتات بين الجنسين، وقضايا ديناميكيات القوة، فضلا عن التسبب في أشكال مختلفة من الانتهاكات. وفي الأثناء، يضيف نشطاء البيئة أصواتهم، مشيرين إلى أن تغير المناخ يدفع المزيد من الأفراد إلى بيئات عمل غير مستقرة. ومع غروب الشمس فوق بيروت، يقف المتظاهرون المتنوعون؛ من  اللبنانيين، والعمال المهاجرين، والمؤيدين، والنشطاء في وحدة. رسالتهم القوية مفادها أن التغيير والإصلاح ليسا ممكنين فقط؛ بل هما ضروريان. ويتمثل تحقيق ذلك في البدء بالاعتراف بكرامة وحقوق كل شخص، بغض النظر عن جنسيته أو مهنته، في سياق حق حرية التجمع السلمي.

بينما تعزز هذه الوحدة من قوتهم، فإنها تجعلهم أيضاً عرضة للهجوم. تخيل مشهد ضابطين من الشرطة يتحدثان عن التظاهرة، أحدهما يستهزئ بالمتظاهرين قائلاً إنهم مهاجرون ولا يحق لهم المطالبة بأي شيء، بينما يصنفهم الآخر على أنهم مثيرو الشغب. هذا يعكس واقعاً قاسياً، حيث يستغل من هم في السلطة تنوع الاحتجاج لتقويضه، ويشككون في شرعية أصوات لا تتناسب مع سردياتهم الخاصة.

تخيل عاملة فلبينية في الحشد تستمع لهذه التعليقات وتشعر بقدر من الشك، وتتساءل عما إذا كانت تنتمي حقاً إلى هنا. ولكن يحدث شيء جميل، حيث تلاحظ امرأة لبنانية شعور الفلبينية بعدم الارتياح، فتتواصل معها وتقول: “نحن هنا معاً. صوتك مهم بقدر أهمية صوتي.” هذه اللحظة من التضامن حاسمة. إنها تذكرنا أنه في هذه الحركات المتنوعة، علينا دائماً أن نتحقق من تحيزاتنا وندعم بعضنا البعض.

يمر مشهد الاحتجاج السلمي بتطور مستمر في ظل تعمق فهمنا لتقاطعية هوياتنا وظهور طرق جديدة للتجمع والتعبير عن الذات، لا سيما عبر الإنترنت الذي يتيح تضخيم أصوات الفئات المهمشة. إلا أن هذا التحول الرقمي يقدم أيضاً تحديات، مثل إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا ومواجهة الرقابة. إن إدراك الطابع الفريد والشخصي للأفعال المباشرة يساعدنا على فهم أنه لا توجد مقاربة واحدة تناسب الجميع. ومن خلال الاعتراف بهذه التعقيدات، يمكننا العمل على ضمان أن تتاح الفرصة للجميع ليُسمع صوتهم عندما يكون ذلك ضرورياً.

ولتعميق النقاش وإثراء الموضوع، يعد السياق التاريخي جانباً مهماً في العلاقة بين الحق في حرية التجمع السلمي والتقاطعية. لا يمكن إنكار أن هذه العلاقة متجذرة بعمق في التاريخ. فلتتخيل قصة تمتد على مدى قرون، حيث واجه النضال من أجل التجمع السلمي والتعبير عن الرأي تحديات عديدة. بدأ هذا النضال بتوحد العمال للمطالبة بظروف عمل أفضل، خاصة في صفوف الفئات المهمشة. وسعت حركة الحقوق المدنية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين هذا السرد ليشمل التفاوتات الاقتصادية. ثم جاءت الحركة النسائية لتسليط الضوء على التجارب المتنوعة للنساء، وخاصة النساء الملونات. بعد أحداث “ستونوول” في عام 1969، أكدت حركة مجتمع الميم-عين على تقاطع الحب والعرق والجنس والطبقة. واليوم، تربط حركات مثل “حياة السود مهمة” هذه القضايا ببعضها البعض، مما يظهر كيف تسهم الهويات الفردية في الكفاح الجماعي ضد الظلم. وفي نهاية المطاف، يتعلق الأمر بالتعرف على أشكال التمييز المختلفة ومعالجتها لخلق عالم أكثر عدلاً للجميع.

 

دراسات الحالة والإطار القانوني

ولتوضيح الصورة بشكل أكبر، يمكننا تسليط الضوء على بعض اللحظات الرئيسية التي أثرت فيها القضايا التقاطعية بشكل كبير على التجمعات السلمية على مر السنين. على سبيل المثال، خلال ثورة أكتوبر 2019 في لبنان: في أكتوبر 2019، بدأ الأمر كرد فعل على فرض ضرائب مقترحة، لكنه تحول إلى حركة واسعة النطاق ضد الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية. في هذه الاحتجاجات، صعدت ناشطة مشهورة وعاملة منزلية على المسرح، وسردت قصتها عن سوء المعاملة والأجور غير المدفوعة، والتي لامست قلوب الجميع، إذ سلطت الضوء على الصلة بين نضالها تحت نظام الكفالة والقضايا الأوسع لحقوق العمال والفساد.

في الولايات المتحدة، تقاطعت حركة “حياة السود مهمة” بشكل متزايد مع نشاط العدالة المناخية، حيث أبرزت كيف تؤثر القضايا البيئية بشكل غير متناسب على مجتمعات الأقليات. كان من الممكن سماع النشطاء خلال الاحتجاجات وهم يهتفون: “حياة السود مهمةالمناخ مهم!” لعرض هذا التقاطع.

كما كشفت جائحة كوفيد-19 بشكل أكبر عن التفاوتات التي يواجهها العمال المهاجرون في لبنان، حيث تقطعت السبل بالعديد منهم بدون أجور. جسدت اعتصاماتهم أمام السفارات الفوارق الواضحة في كيفية تأثير الأزمات الصحية على المجتمعات المختلفة.

رغم أن التقاطعية يمكن أن تضخم الأصوات وتعزز الحركات الشاملة، فإنها تقدم أيضًا تحديات مثل ردود الفعل العكسية والحاجة إلى التضامن. يواجه العمال المهاجرون في لبنان ظروفًا قاسية بالفعل، مما يحد من قدرتهم على التحرك، وبالتالي فإن المشاركة العامة في الاحتجاجات قد تؤدي إلى الاعتقالات التعسفية أو الترحيل أو الاحتجاز. على الرغم من هذه العقبات، فإن التعاون الأخير بين العمال المهاجرين والناشطين اللبنانيين قد وحد جهودهم في النضال من أجل الحقوق والكرامة.

أخيراً، فإن الدعم العام للاحتجاجات العمالية في البلدان التي تعتبر العمال المهاجرين جزءاً لا يتجزأ من المجتمع والاقتصاد، يكون ذا تأثير أكبر مقارنةً بلبنان، حيث يُنظر إلى العمال غالباً على أنهم سلع يمكن استبدالها. وهذا ما يدفع العمال المهاجرين إلى البحث عن الدعم في مجتمعاتهم أو من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية.

 

 التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي

العالم الرقمي يعيد تشكيل الطريقة التي نتجمع بها ونعبر عن أنفسنا؛ حيث يسهّل العالم الرقمي عملية التجمع والتعبير عن الرأي بدون حدود فيزيائية. هل يوجد نقص في المساحة؟ لا مشكلة، لم تعد هناك حدود. فبإمكان وسم (هاشتاغ) واحد أن يشعل حركات عالمية على الفور، مما يمكّن أولئك الذين قد يخشون حضور الاحتجاجات الميدانية. أصوات كانت في الظل تجد منصات إلكترونية أكثر أمانًا للتعبير، وتمكن الكثيرين ممن كانوا قد يخشون المشاركة في الاحتجاجات الفعلية من الانخراط بشكل آمن، مما يوفر لهم الفرصة للتعبير بدلاً من البقاء في صمت. ومع ذلك، قد يؤدي هذا التنظيم السريع إلى فوضى، كما أن إخفاء الهوية قد يشكل مخاطر، مثل السماح بالمضايقات دون محاسبة. على الرغم من أن المنصات الرقمية توفر فرصًا للتعلم وتضخيم الأصوات، إلا أنها تخلق أيضًا تفاوتات جديدة بسبب تفاوت الوصول إلى التكنولوجيا والمهارات. المضايقات عبر الإنترنت ومخاوف الخصوصية تُعد قضايا بارزة، خاصةً بالنسبة للمجموعات التي تتعرض لأشكال متعددة من التمييز.

إن الاحتجاجات عبر الإنترنت وخارجها أصبحت تتداخل. يمكن لوسم على الإنترنت أن يؤدي إلى مسيرة في الشوارع، والتي بدورها قد تؤثر على توجهات الرأي العام. هذا التداخل يُنشئ شكلاً جديدًا من التجمع. بشكل عام، تعزز المنصات الرقمية قدرتنا على التواصل والدعوة للتغيير، ولكنها تقدم أيضًا تحديات تحتاج إلى معالجة. الهدف هو إنشاء فضاءات رقمية شاملة تعكس احتياجات جميع الفئات المتنوعة، وإعادة تصور كيفية تجمعنا وتفاعلنا في العصر الرقمي.

 

الجدل المضاد والتحديات

تطبيق مفهوم التقاطعية على حرية التجمع السلمي  قد حظي بدعم وانتقادات على حد سواء. يشعر البعض بالقلق من أن هذا التطبيق قد يؤدي إلى تعقيد الأمور وفهم الحقوق والمسؤوليات، وقد يفرق المجموعات داخل التجمعات، مما يؤدي إلى تجزئة الجهود. ويجادلون بأن التركيز على الهويات المتعددة قد يُضعف الرسالة الجماعية الرئيسية وأهداف الحركة، مما يجعل من الصعب تحقيق التوافق والتعبئة بشكل فعال.

علاوة على ذلك، يعتقد البعض أن التقاطعية قد تؤدي بطريق الخطأ إلى خلق تسلسل هرمي للاضطهاد، حيث يتم إعطاء الأولوية لهويات معينة على حساب أخرى، مما قد يخلق توترات داخل التجمعات ويؤدي إلى شعور بعض الأفراد بالإقصاء إذا شعروا أن تجاربهم أو احتياجاتهم الخاصة قد تم التغاضي عنها لصالح سرديات أوسع.

فيما يتعلق بالصراعات المحتملة، قد تتعارض أولويات المجموعات المختلفة داخل الاحتجاجات. على سبيل المثال، قد يختلف نشطاء العدالة العرقية وداعموا حقوق مجتمع المثليين حول ما يجب التركيز عليه أولاً. قد تكون للمجموعات التقاطعية داخل التجمعات أولويات ومنظورات مختلفة بناءً على تجاربها الفريدة. للتعامل مع مثل هذه التعقيدات، من الضروري أن تخلق التجمعات مساحات تشجع على الحوار المفتوح وتضمن سماع جميع الأصوات. العثور على أرضية مشتركة مع احترام الاختلافات يمكن أن يساعد في تجنب الصراعات ويقوي الحركات. في النهاية، فإن تبني وممارسة التقاطعية بشكل مدروس يمكن أن يغني النقاش ويؤدي إلى نتائج أكثر شمولاً وعدلاً للجميع، بشرط أن يتم التعامل معها بحساسية وروح التعاون والالتزام بالعمل الجماعي.

 إمكانية الوصول والاندماج

اختيار أماكن يسهل الوصول إليها عن طريق وسائل النقل العامة وتحتوي على مداخل ملائمة للكراسي المتحركة هو بالتأكيد أمر بالغ الأهمية ويجب أن يكون إلزامياً في كل مكان. ولكن عند الحديث عن إمكانية الوصول والشمولية، هناك العديد من الأمور الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار.

عند التخطيط لحدث، من الضروري اختيار أماكن يسهل الوصول إليها عن طريق وسائل النقل العامة وتحتوي على مداخل ملائمة للكراسي المتحركة. ومع ذلك، فإن إمكانية الوصول والشمولية تشمل أكثر من مجرد الموقع. التوقيت مهم؛ حيث يمكن أن يساعد تنويع أوقات الأحداث في تلبية جداول العمل والالتزامات العائلية المختلفة. إدراج مترجمي لغة الإشارة وإنشاء مناطق هادئة يمكن أن يساعد في إشراك المشاركين ذوي الإعاقات. كما أن توفير خيارات للمشاركة عن بُعد وضمان تنوع المتحدثين يعتبر أمرًا أساسيًا. توفير مواد بلغات متعددة ودعم لرعاية الأطفال يعزز من إمكانية الوصول بشكل أكبر. التواصل بوضوح حول ميزات الوصول، مثل الحمامات والمقاعد، وتدريب المتطوعين على تقديم المساعدة بشكل محترم، كلها عوامل مهمة.

يهدف التصميم العالمي في التجمعات السلمية إلى خلق تجارب شاملة تعود بالفائدة على الجميع، وليس على مجموعات معينة فقط منذ البداية. إنه ليس عن المعاملة الخاصة، بل عن بناء مساحات شاملة بعناية، مثل اختيار مواقع ملائمة، واستخدام لغة واضحة، وترتيب الأماكن بشكل مدروس. جمال التصميم الشامل يكمن في فوائده الواسعة. في النهاية، تبني التصميم الشامل يساهم في خلق تجمعات وأحداث يشعر الجميع فيها بالانتماء، مما يعزز الوحدة في التجمعات السلمية.

 

 تقاطع الهوية واستجابة الدولة  

يمكن القول إن تعامل لبنان مع الاحتجاجات المتقاطعة هوياتيا كان فوضوياً إلى حد كبير. إذا نظرنا إلى الوراء في “ثورة أكتوبر” 2019-2020، نجد أن مجموعات متنوعة اجتمعت معاً، بدءاً من ناشطي مجتمع الميم (LGBTQ+) إلى المواطنين العاديين الذين طالبوا بإصلاحات اقتصادية. كيف كانت استجابة الحكومة؟ غالباً ما كانت متسمة بالقوة المفرطة، مُجهزة بالأسلحة، ومتجاهلة لجذور المشكلة. تكمن المشكلة الرئيسية في أن السلطات تميل إلى رؤية هذه الاحتجاجات المتنوعة كتهديد بدلاً من اعتبارها تعبيراً عن شمولية أكبر. وكأنها عالقة في عقلية قديمة، وتشعر بأنها مُلزمة بالوقوف ضد الشعب بناءً على أوامر من مسؤوليها.

يمكن لقوات الشرطة اللبنانية أن تستفيد بشكل كبير من تدريبات تركز على فهم الثقافات المختلفة وزيادة الوعي بالهوية. تعلم كيفية تهدئة الأوضاع دون اللجوء إلى القوة أمر ضروري، كما أن تخصيص ضباط للعلاقات المجتمعية سيساعد على بناء جسور من التواصل بدلاً من خلق انقسامات.

على مستوى السياسات، هناك حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة كبيرة، خاصة في كيفية التعامل مع الاحتجاجات، لضمان احترام وحماية احتياجات المجموعات المختلفة. المساءلة هي عامل أساسي، ويجب أن تكون هناك عواقب فعلية لأي سوء تصرف.

التحدي يكمن في تنفيذ هذه التغييرات، حيث أن تحقيقها لن يكون سهلاً بالنظر إلى المتاهة السياسية والأزمات الاقتصادية التي يمر بها لبنان. ومع ذلك، إذا نجحت هذه الإصلاحات وتم تحقيقها، فسيكون لذلك تأثير كبير. يمكن أن يعزز بشكل كبير حماية حق الجميع في التجمع السلمي، بغض النظر عن هويتهم أو خلفياتهم. أليس هذا هو جوهر الديمقراطية؟

 

ثامنا: التعليم والتوعية  

لزيادة الوعي وتثقيف الناس حول تقاطع الهوية وأهميته في حماية حق التجمع السلمي، هناك عدة مبادرات رئيسية يمكن أخذها في الاعتبار. أولاً، إطلاق حملات توعية عامة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلانات العامة، والفعاليات المجتمعية. سيساعد ذلك في شرح كيفية تأثير تقاطع الهوية – حيث تتقاطع هويات مختلفة – على حقوق الأفراد في التجمع السلمي. علاوة على ذلك، ينبغي تنظيم ورش عمل ومنتديات في الأماكن المجتمعية لتسهيل النقاشات المفتوحة حول تقاطع الهوية. يمكن لمتحدثين متنوعين أن يشاركوا تجاربهم الشخصية، مسلطين الضوء على كيفية تأثير تقاطع الهوية على قدرتهم على ممارسة حق التجمع السلمي.

أخيراً وليس آخراً، يمكن إنشاء دورات إلكترونية سهلة الوصول وندوات عبر الإنترنت تغطي أساسيات تقاطع الهوية، والسياق التاريخي له، وأهميته في حقوق الإنسان.

أما بالنسبة لدور المدارس والجامعات، فهي تلعب دوراً حاسماً في تعزيز فهم تقاطع الهوية وتأثيراته على العدالة الاجتماعية. يمكن دمج هذا المفهوم في المناهج الدراسية في مواد مثل الدراسات الاجتماعية والأدب. ستساعد هذه المقاربة الطلاب على فهم تعقيدات الهوية وتأثيراتها على قضايا مثل حق التجمع السلمي. كذلك، تشجيع النوادي الطلابية والمنظمات التي تهتم بالعدالة الاجتماعية على تنظيم فعاليات وحملات لزيادة الوعي بين زملائهم. وأيضاً، يجب توفير تدريب للمعلمين على دمج تقاطع الهوية في أساليب التدريس، مما يتيح لهم إنشاء بيئات صفية شاملة تحترم وجهات النظر المتنوعة.

عاملات المنازل المهاجرات في لبنان  

وضع العاملات المنزليات المهاجرات في لبنان، لا سيما فيما يتعلق بحقهن في التجمع السلمي وتأسيس النقابات، هو وضع معقد ومليء بالتحديات. قانونياً، يستثني قانون العمل اللبناني العاملات المنزليات من الحماية الأساسية، ويربط نظام الكفالة وضعهن القانوني بأرباب العمل، مما يخلق اختلالاً في التوازن يفضي إلى استغلالهن. في عام 2015، حاولت مجموعة من العاملات المهاجرات تشكيل أول نقابة لعاملات المنازل،  والتي وافقت عليها وزارة العمل في البداية. ولكن الحكومة سرعان ما أعلنت أن النقابة غير قانونية، مدعية أن هؤلاء “الأجانب” ليس لهم الحق في تشكيل نقابات وفقاً للقانون اللبناني.

نظمت العاملات المهاجرات احتجاجات سلمية ومظاهرات في بيروت ومدن أخرى، غالباً ما تركزت على قضايا مثل سوء المعاملة، الأجور غير المدفوعة، ونظام الكفالة. تُسمح هذه التجمعات أحياناً، لكنها قد تواجه معارضة من السلطات أو أرباب العمل.

تعمل العديد من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية على دعم حقوق العاملات المنزليات المهاجرات، بما في ذلك حقهن في التجمع. توفر هذه المنظمات مساحات آمنة للعاملات للتجمع والتنظيم بشكل خاص، لمعالجة التحديات التي يواجهنها والمتعلقة بحقوقهن في الجندر، والتمييز العنصري، وعدم المساواة الاقتصادية. لقد أدت الأزمة الاقتصادية المستمرة ونتائج انفجار بيروت 2020 إلى زيادة هشاشة أوضاع هذه العاملات، مما أسفر عن تصاعد النشاطات الداعمة لحقوقهن.

 

الخاتمة

يكشف التفاعل بين حرية التجمع السلمي وتقاطع الهوية عن نسيجٍ معقد من حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والعمل الجماعي، مما يؤكد أهمية الاعتراف بالتجارب والهويات المتنوعة التي تشكل أفعالنا الجماعية.

فمن الحركات التاريخية إلى النشاط الرقمي المعاصر، رأينا كيف يُثري تقاطع الهوية ويفتح أبعادًا جديدة في ممارسة حرية التجمع السلمي. لقد وسّعت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي نطاق وتأثير العمل الجماعي، ولكن كما ناقشنا سابقًا، فإن الرحلة نحو ممارسة أكثر شمولية وعدالة لهذا الحق الأساسي تتطلب التزامًا مستمرًا ويقظة دائمة. ورغم أننا شهدنا بعض التحسينات، فإن هذه التغيرات أفرزت أيضًا تحديات جديدة وعدم مساواة. لقد أتاح المجال الرقمي فرصًا غير مسبوقة للأصوات المهمشة للاتحاد، ولكنه في الوقت ذاته يحمل مخاطر الإقصاء والتحرش والمخاوف المتعلقة بالخصوصية.

بينما نمضي قدمًا، بات من الضروري أن نحتضن التعقيد الذي يجلبه تقاطع الهوية إلى حرية التجمع السلمي. فمن خلال تعزيز المساحات المتاحة للتجمع وإعطاء الأولوية لأصوات الجماعات المهمشة، يمكننا معالجة الحواجز المنهجية التي تعيق المشاركة. وفي هذا السياق،  يدعو تطور الحركات الاجتماعية، سواء في المجالات المادية أو الرقمية، إلى فهم أعمق لتقاطع الهوية وآثاره على العدالة الاجتماعية.

إن قصة حرية التجمع السلمي وتقاطع الهوية بعيدة كل البعد عن البساطة أو الاكتمال. وبينما نبحر في تعقيدات مجتمعنا، يجب أن نسعى لضمان أن تكون حرية التجمع السلمي ليست مجرد مفهوم نظري، بل حقيقة ملموسة يعيشها جميع الأفراد. وفقط من خلال هذا الالتزام يمكننا حقًا تكريم جوهر الديمقراطية والدفاع عن حقوق كل شخص في التجمع السلمي والتعبير عن إرادته الجماعية.

Facebook
Twitter
Email
Print

Facebook

Twitter